النظام المجلسي أو نظام الجمعية: تجليات سلطة موحدة وهيمنة تشريعية:
لتحميل الموضوع سوف تجدون الرابط أسفل المقال.
الفقرة الأولى: تعريف النظام المجلسي:
يعتبر النظام المجلسي، أو ما يُعرف بنظام الجمعية، نمطا فريدا ضمن أنظمة الحكم النيابية وفي جوهره الشامل يُعبر هذا النظام عن اندماج السلطات الثلاث في كنف هيئة مركزية واحدة.ومع مسيرة تطوره العملي تجسدت سيادة البرلمان وعلوّ مكانته على السلطة التنفيذية.
أما في تعريفه الدقيق والمحدد، فيُشار إليه بأنه النظام الذي يوحد قبضتي السلطتين التشريعية والتنفيذية في يد جمعية منتخبة قوامها البرلمان، الذي يمتلك زمام إدارة شؤون الدولة وتسيير دفة الحكم.
وقد أُنيطت بالبرلمان هذه السلطة انطلاقاً من مكانته كممثل أصيل للشعب والمعبر عن إرادته السامية والحارس الأمين للمصلحة العامة، فضلاً عن كون وحدة سيادة الشعب مبدأً راسخاً غير قابل للتجزئة أو الإنقسام.
يرتكز نظام الجمعية، الذي يجد تجسيده الأروع في النظام السياسي السويسري، على ركيزتين أساسيتين:
1-البرلمان منبع السلطات قاطبة:
فهو المصدر الذي تنبثق منه جميع السلطات في الدولة.
2-جماعية السلطة التنفيذية:
حيث تُمارس السلطة التنفيذية بشكل تشاركي وتضامني.
النظام المجلسي في سويسرا: نموذجاً مُلهماً لسيادة البرلمان:
يُعد النظام المجلسي في سويسرا أنموذجاً فذاً يقوم على إخضاع السلطة التنفيذية لسلطة القانون التي يسنها البرلمان.
ويُناط بالبرلمان السويسري، بجانب مهمته الجوهرية في التشريع وسن القوانين، مسؤولية إدارة شؤون الحكم والإدارة؛ فهو الجهة المخولة بإعلان الحرب وإبرام المعاهدات وتعيين قضاة المحكمة الفدرالية.
فالمجلس الفدرالي هو كيان الحكومة، والجمعية الفدرالية هي السلطة التشريعية، ويمارس المجلس الفدرالي مهامه واختصاصاته تحت رقابة وإشراف دقيق من الجمعية الفدرالية، ولذلك يُطلق عليه بحق نظام الجمعية.
يُطلق على البرلمان السويسري اسم الجمعية الفدرالية، ونظراً لكون سويسرا دولة فدرالية تنهج هذا النهج، فإنها تعتمد نظاماً مجلسياً فريداً وتتألف الجمعية الفدرالية من مجلسين:المجلس الوطني ومجلس المقاطعات.
يمثل المجلس الوطني جموع الشعب بمعدل نائب لكل خمسة وعشرين ألف مواطن تقريباً، ولا يتجاوز عدد أعضائه 200 عضو، وتتحدد مدة ولايته بأربع سنوات وفق نظام التمثيل النسبي العادل.
أما مجلس المقاطعات، فيضم نخبة ممثلي المقاطعات، ويتألف من حوالي 44 عضواً، وتختلف آليات انتخابهم بين مقاطعة وأخرى.
وعلى النقيض من العديد من الدول التي تأخذ بنظام المجلسين، يتمتع المجلس الوطني ومجلس المقاطعات بصلاحيات متكافئة ومتوازنة، ويتخذ كل مجلس قراراته بشكل مستقل، إلا أن هناك قضايا تستلزم اجتماعهما في شكل هيئة مشتركة موحدة، وهي:
-انتخاب أعضاء المجلس الفدرالي (الحكومة).
-انتخاب رئيس الاتحاد.
-اختيار أعضاء المحكمة الفدرالية.
-اختيار القائد العام للجيش.
-البت في فض تنازع الصلاحيات بين الأجهزة الفدرالية.
-ممارسة حق العفو السيادي.
من خلال استعراض صلاحيات الجمعية الفدرالية (البرلمان)، يتضح جلياً أن البرلمان السويسري يجسد بؤرة جميع السلطات، سواء التشريعية أو التنفيذية أو القضائية وبهذا الاعتبار، تكون السلطة التنفيذية مجرد سلطة منبثقة عنه وتابعة له تبعّية كاملة.
تحمل السلطة التنفيذية اسم "المجلس الفدرالي"، وتتألف من سبعة أعضاء تنتخبهم الجمعية الفدرالية لمدة أربع سنوات، ولا يمكن أن تمثل المقاطعة بأكثر من عضو واحد داخل هذا المجلس.
وتختار الجمعية الفدرالية كذلك من بين هؤلاء السبعة واحداً ليكون رئيساً للاتحاد، وتتحدد مدة ولايته بسنة واحدة غير قابلة للتجديد، كما تختار نائباً له.
وإذا كان رئيس الاتحاد نظرياً يقوم بمهام رئيس الدولة، إلا أن هذه الرئاسة شكلية، ذلك أن من خصائص السلطة التنفيذية التي يجسدها المجلس الفدرالي عملها بشكل جماعي وتكاملي، ويتجلى هذا الطابع الجماعي من خلال المؤشرات التالية:
-تساوي سلطات الأعضاء السبعة المشكلين للمجلس الفدرالي، حيث يقومون بتوزيع المهام فيما بينهم بإنصاف وتوازن.
-قصر مدة ولاية رئيس الاتحاد، وهي سنة واحدة لا تمكنه من تكوين سلطة مستقلة تميزه عن باقي الأعضاء.
-اشتراط حضور أربعة أعضاء على الأقل لإجتماع المجلس، إذ يشترط القانون حصول الأغلبية المطلقة لإتخاذ القرارات الحاسمة.
تبرز هذه المؤشرات الطابع "الجماعي" للسلطة التنفيذية في سويسرا بوضوح وجلاء، كما نلاحظ تبعية السلطة التنفيذية للبرلمان، والتي تتجلى في أربعة مظاهر جلية:
-إلزام الحكومة (المجلس الفدرالي) بتقديم تقرير سنوي مفصل عن أعمالها إلى مجلس الجمعية الفدرالية، أو كلما استدعت الضرورة ذلك.
-صلاحية مجلسي الجمعية الفدرالية في توجيه استجوابات واقتراحات بناءة إلى الحكومة من أجل تعديل سياستها أو دراسة قضية معينة أو إعداد مشروع قانون مُحكم.
-عدم امتلاك الحكومة سلطة حل البرلمان أو طرح الثقة أو التهديد بالإستقالة كورقة ضغط.
-اختصاص الجمعية الفدرالية بحجب الثقة عن الحكومة على إثر استجواب مستفيض، ويترتب على حجب الثقة اضطرار الحكومة إلى توجيه سياستها وفق الوجهة التي تحددها الجمعية الفدرالية، ولا يفضي حجب الثقة بأي حال من الأحوال إلى إسقاط الحكومة وإزاحتها.
الفقرة الثانية: نشأة النظام المجلسي: تبلور الفكرة وتطور التطبيق:
إن التتبع التاريخي لجذور هذا النظام يقودنا مباشرة إلى الأفكار الرائدة التي طرحها روسو، والتي تتمحور حول أن السيادة كل لا يتجزأ وأن السلطة في الدولة تستمد قوتها من المواطن الذي يختار ممثليه في البرلمان، وهؤلاء يتولون التعبير عن سيادته من خلال ممارسة السلطة السياسية بأمانة ومسؤولية.
ويضيف روسو بأنه يمكن للبرلمان أن يعهد بالسلطة التنفيذية إلى هيئة يكون أعضاؤها خاضعين له ومسؤولين أمامه مسؤولية كاملة، ولا يحق للجهاز التنفيذي مساءلة أعضاء البرلمان بأي شكل من الأشكال.
لم يتم الأخذ بالنظام المجلسي على نطاق واسع في العصر الحديث كخيار مستدام فقد بدأت إرهاصاته الأولى في بريطانيا بسبب الخلاف المحتدم بين البرلمان والملك تشارل الأول، الذي انتهى بقيام حكم جمهوري لم يكتب له الدوام، ليعود الحكم الملكي مرة أخرى سنة 1659.
وتم تطبيق هذا النظام أيضاً في فرنسا على امتداد فترات متباعدة ومتقطعة، بدايتها كانت سنة 1792 حتى 1795، ثم عقب ثورة 1848 ولم يدم طويلاً أيضاً، وفي الجمهورية الفرنسية الثالثة، وعلى إثر انهزام نابليون سنة 1871، أخذت فرنسا مجدداً بنظام الجمعية كملاذ مؤقت.
ويرى البعض بأن دستور الجمهورية الرابعة الصادر سنة 1946 يجسد نظاماً مجلسياً فعلياً من الناحية التطبيقية وإن بدا مختلفاً شكلياً. وطبقت سويسرا أيضاً هذا النظام سنة 1874 وأقرت صراحة سمو السلطة التشريعية في الاتحاد كحقيقة دستورية راسخة.
بالإضافة إلى فرنسا وسويسرا وبريطانيا، هناك دول أخرى عديدة تبنت هذا النظام في مراحل تاريخية مختلفة، منها النمسا سنة 1920 والولايات المكونة لألمانيا الاتحادية (كروسيا)، وتركيا التي آل نظامها في عهد كمال أتاتورك إلى الدكتاتورية بشكل مؤسف.
إن هذه التجارب الفرنسية في إقامة نظام مجلسي لم تعمر طويلاً وتم اللجوء إليها في ظروف استثنائية عصيبة، وبالتالي لا يمكن اعتمادها كمعيار أساسي لتحديد مقومات النظام المجلسي، بل ينبغي الاعتماد على تجربة لاقت نجاحاً فعلياً ومنحت لهذا النظام قيمته الدستورية الحقيقية ومكانته الرفيعة، وهذه التجربة تتمثل بجلاء في التجربة السويسرية الفريدة.
الفقرة الثالثة: خصائص النظام المجلسي: سمات جوهرية ومرتكزات أساسية:
يتسم النظام المجلسي بمجموعة من الخصائص الأساسية التي تميزه عن غيره، يمكن إيجازها فيما يلي:
1-تركيز السلطة في يد البرلمان:حجر الزاوية في النظام المجلسي:
تُعد هذه الخاصية الأهم التي تميز النظام المجلسي عن باقي الأنظمة النيابية الأخرى، حيث تجتمع السلطتان التشريعية والتنفيذية في يد البرلمان كقوة موحدة، انطلاقاً من مبدأ عدم قابلية السلطة للتجزئة أو الانفصال.
2-تشكيل الحكومة من طرف البرلمان: تفويض السلطة التنفيذية للبرلمان:
يتولى البرلمان اختيار أعضاء السلطة التنفيذية وانتقائهم بعناية، التي تكون عبارة عن هيئة جماعية خاضعة للبرلمان خضوعاً كاملاً، وتقوم بتنفيذ ما يقرره من قوانين وتشريعات، وهو البرلمان وحده من يحدد صلاحياتها ومجالات عملها.
3-تبعية السلطة التنفيذية للبرلمان: خضوع تام وهيمنة تشريعية:
على خلاف النظام البرلماني الذي يقوم على التعاون المتبادل بين السلطات، والنظام الرئاسي الذي يقوم على الفصل المطلق بينها كجدار عازل، فإن نظام الجمعية يقوم على خضوع السلطة التنفيذية خضوعاً تاماً للسلطة التشريعية المهيمنة.
الفقرة الرابعة: تداعيات التفرد التشريعي بالسلطة: هيمنة ورقابة وتوجيه:
يترتب على استئثار الجهاز التشريعي بمقاليد السلطة والاختصاصات جملة من التداعيات الجوهرية، تتجلى فيما يلي:
1-إلزامية تقديم أعضاء المجلس الفدرالي (الحكومة) لتقارير سنوية مفصلة عن أدائهم وأعمالهم إلى الجمعية الفدرالية بشقيها الموقرين.
2-حق أصيل للجمعية في توجيه استفسارات مستنيرة واقتراحات بناءة لأعضاء الحكومة الموقرين بهدف تجويد السياسة العامة المتبعة أو من أجل دراسة مسألة معينة بعمق وروية تمهيداً لإعداد مشروع قانون محكم ومتكامل.
3-انتفاء إمكانية حل المجلس الفدرالي للجمعية أو سحب الثقة منها أو حتى تقديم الاستقالة كآلية للضغط، بل يتعدى الأمر ذلك إلى عدم امتلاكه صلاحية تحديد تاريخ الاجتماعات أو تأجيلها بإرادته المنفردة.
4-في معترك الخلاف بين المجلسين، لا يملك المجلس الفدرالي رفاهية تقديم الاستقالة، بل يلتزم بممارسة مهامه مع تطويع سياسته في اتجاه تصور الجمعية وإرادتها.
يشير واقع بعض الدول بجلاء إلى أن إحكام البرلمان قبضته على جميع السلط قد أثمر نظاماً سياسياً ناجحاً ومستقراً رغم تعدد الأحزاب السياسية وتنوعها، ويعود ذلك لما يتحلى به السويسريون على سبيل المثال من ثقافة سياسية عالية ورقي في الممارسة الديمقراطية، حيث باءت بالفشل محاولات تطبيق هذا النظام في فرنسا وبريطانيا وبعض الدول اللاتينية نظراً لإختلاف السياقات والظروف.
الفقرة الخامسة: معالم المؤسسات المركزية في النظام السويسري: نموذج فريد للنظام المجلسي:
تتشكل الدولة الاتحادية في سويسرا من المؤسسات المركزية التالية التي تمثل أركان هذا النظام:
أولاً: الجمعية الفدرالية: قمة الهرم التشريعي وسيادة الإرادة الشعبية:
1-التعريف والتشكيل:
وهي المصطلح الذي يُطلق على السلطة التشريعية التي تمثل أسمى سلطة في الاتحاد السويسري وقمة هرمه المؤسسي، وتتكون من مجلسين متكاملين:
أ-المجلس الوطني: ممثل الشعب وصوت الأمة:
يمثل الشعب بأطيافه كافة ويتشكل بالانتخاب المباشر من طرف الشعب تعبيراً عن إرادته الحرة، بحيث يمثل كل 25 ألف ناخب نائباً واحداً، ولا يزيد مجموع النواب عن 200 نائب، يمارسون مهامهم النيابية لمدة أربع سنوات، ويجتمع المجلس في دورة عادية واحدة في السنة للتداول وسن القوانين.
ب-مجلس المقاطعات:
يمثل المقاطعات بخصوصيتها وتنوعها، وينتخب أعضاؤه بحسب القوانين الخاصة بكل مقاطعة احتراماً لخصوصيتها الدستورية، وتمثل كل مقاطعة بنائبين أو نائب واحد عن نصف المقاطعة، وللمجلس دورة عادية واحدة علنية ينتخب خلالها الرئيس ونائبه لمدة سنة لإدارة شؤونه الداخلية، وتتخذ قرارات المجلس بأغلبية الأصوات كآلية لاتخاذ القرار، أما قرارات الجمعية فتصدر باتفاق المجلسين تأكيداً على أهمية التوافق.
2-اختصاصات الجمعية الفدرالية: نطاق واسع من المسؤوليات والمهام:
تتمثل اختصاصات الجمعية الفدرالية فيما يلي التي تعكس مكانتها المحورية:
-انتخاب أعضاء المجلس الفدرالي ونائبه ورئيسه كحق أصيل ومظهر للرقابة.
-إبرام الاتفاقيات الدولية وإقرار المعاهدات بين المقاطعات كجهة مخولة بتمثيل الدولة في الخارج وتنظيم العلاقات الداخلية.
-حفظ سيادة الدولة واستقلالها وحيادها كواجب وطني سامي.
-السهر على ضمان الأمن الداخلي وتطبيق دساتير المقاطعات كضامن للاستقرار والنظام الدستوري.
-وضع الميزانية العامة وإقرارها كأداة للسياسة المالية والرقابة على الإنفاق العام.
-الإشراف على عمل الجهاز القضائي والإداري للدولة كضمان للنزاهة والشفافية.
-انتخاب أعضاء المحكمة الاتحادية وتعيين قائد الجيش كجزء من مسؤوليتها عن العدالة والدفاع.
ثانياً: المجلس الفدرالي: الذراع التنفيذي وسيادة القانون:
1-التشكيلة:
يتشكل المجلس الفدرالي من سبعة أعضاء يتمتعون بالكفاءة والخبرة تنتخبهم الجمعية الفدرالية لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد بثقة البرلمان. أما رئيس المجلس، الذي يُعد رئيسًا للاتحاد بصفة رمزية، فيُنتخب لمدة سنة غير قابلة للتجديد إلا بعد مرور سنة كاملة على انتهاء ولايته تأكيداً على مبدأ الجماعية في القيادة.
ويتولى المجلس الفدرالي المهام التنفيذية الموكلة إليه من طرف الجمعية الفدرالية كأداة لتطبيق القوانين، أما رئيس الاتحاد فدوره شرفي لا يتعدى رئاسة المجلس وتمثيل الاتحاد في الخارج كواجهة للدولة.
وتجدر الإشارة إلى عدم إمكانية الجمع بين العضوية في المجلس الاتحادي والجمعية الاتحادية تجنباً لتضارب المصالح وتعزيزاً للفصل الوظيفي.
2-اختصاصات المجلس الفدرالي: تنفيذ وتطبيق وحماية:
-تنفيذ القوانين والقرارات الصادرة عن الجمعية الاتحادية بأمانة ودقة.
-السهر على تطبيق الدستور الاتحادي ودساتير المقاطعات كحارس للشرعية الدستورية.
-حفظ الأمن الداخلي للدولة الاتحادية كضامن للاستقرار والسلم الأهلي.
نظراً لتطور وتعقد العلاقات بين المقاطعات، اتسعت صلاحيات المجلس الاتحادي وأُعطيت له سلطات إضافية في مجال القضاء والاقتصاد لضمان التنسيق بين المقاطعات والحفاظ على الاستقرار والوحدة الوطنية.
ثالثاً: المحكمة الفدرالية: صرح العدالة وحماية الدستور:
1-التشكيل:
تتشكل من ستة وعشرين قاضياً مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة وتسعة مساعدين منتخبين من طرف الجمعية الفدرالية لمدة ست سنوات قابلة للتجديد لضمان استقلال القضاء.
والترشح لعضويتها مفتوح أمام كافة المواطنين الذين تتوفر فيهم الشروط المطلوبة من علم وخبرة، على أن لا يكون المترشح عضواً في الجمعية أو المجلس الاتحادي تعزيزاً لمبدأ الفصل بين السلطات، وعادة يكون الأعضاء من بين المحامين المتمرسين وذوي الخبرة القانونية العالية.
2- الإختصاص:
تختص المحكمة الفدرالية بممارسة الرقابة الدستورية على القوانين الصادرة من المقاطعات دون الاتحاد كحامية للدستور الفدرالي، كما تُعتبر محكمة استئناف للأحكام الصادرة عن محاكم المقاطعات لضمان تحقيق العدالة على أكمل وجه وتتولى النظر في المنازعات بين المقاطعات كحكم في الخلافات الداخلية.
الفقرة السادسة: ديناميكية العلاقات بين المؤسسات الرسمية في النظام المجلسي السويسري: تعاون وتبعية فريدة:
من حيث طبيعة علاقة السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية، يُعد المجلس الاتحادي تابعاً للبرلمان من الناحية العضوية بشكل واضح، ووظيفياً لا يمكن اعتباره مجلساً للوزراء بالمفهوم التقليدي، ذلك أنه لا يملك برنامجاً سياسياً خاصاً ومستقلاً ولا يسعه إلا تنفيذ السياسة التي يصنعها البرلمانيون بإرادة الشعب، ولا يملك حق حل الجمعية أو دعوتها للانعقاد أو فض اجتماعها أو حتى وضع جدول الأعمال الخاص بها تأكيداً على سيادة البرلمان، كما لا يمكنه أن يقدم الاستقالة كوسيلة للضغط السياسي.
وفي المقابل، نجد أن للبرلمان حق عزل أعضاء الهيئة التنفيذية إذا ما اقتضت المصلحة العامة ذلك، ذلك أنه من الناحية السياسية تكون هذه الأخيرة مسؤولة عن أعمالها أمام البرلمان الذي يملك أيضاً حق حل نفسه كآلية للرقابة المتبادلة.
ومن الناحية التطبيقية، خفف الدستور السويسري من تبعية السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية وجعل العلاقة بينهما أقرب إلى علاقة التعاون البناء منها إلى التبعية المطلقة، إذ يسمح لأعضاء السلطة التنفيذية بتقديم اقتراحاتهم في شكل استشارات حول مواضيع محل نقاش من طرف البرلمان وبإمكانه دعوته للانعقاد في دورة غير عادية عند الضرورة الملحة، وهو ما جعل النظام السياسي السويسري يوصف بأنه نظام خاص وفريد يجمع بين الرقابة والتعاون.
من حيث علاقة المقاطعات بالدولة الاتحادية، يقوم الاتحاد السويسري على مبدأ "حصر اختصاصات الدولة الاتحادية"، مما يجعل الاختصاصات غير المذكورة في هذا الحصر من اختصاص المقاطعات كأصل عام.
وتتولى عادة الدولة الاتحادية صلاحيات واسعة في المجال الدولي كتعبير عن السيادة الوطنية وتشترك مع المقاطعات في الصلاحيات الداخلية تعزيزاً للتكامل والتنسيق.
الفقرة السابعة: إيجابيات وسلبيات النظام المجلسي: بين الديمقراطية المطلقة وتحديات التطبيق:
قد يرى البعض أن النظام المجلسي يجسد الديمقراطية الحقيقية بأسمى معانيها لأن السلطة في هذا النوع من الأنظمة تُمارس بواسطة ممثلي الشعب المنتخبين مباشرة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه نظام يخلو من العيوب والتحديات.
أولاً: مزايا النظام المجلسي: ترسيخ الشرعية وتعزيز الكفاءة:
تتجلى مزايا النظام المجلسي فيما يلي:
1-الأكثر تجسيداً للديمقراطية مقارنة بغيره من الأنظمة النيابية الأخرى باعتباره سلطة منبثقة مباشرة من إرادة الشعب.
2-خاصية دمج السلطة التنفيذية وجعلها تابعة للسلطة التشريعية في هذا النظام تجعل السياسات المتخذة أكثر شرعية وقبولاً شعبياً.
3-طريقة تشكيل السلطة التنفيذية في هذا النظام وسيلة لجعل تنفيذ السياسات أكثر كفاءة وفعالية وتناغماً مع توجهات البرلمان.
4-دمج السلطات في يد البرلمان هو تطبيق سليم للديمقراطية المثالية التي تعتبر الشعب مصدر كل سلطة ومالك زمام الأمر.
ثانياً: عيوب النظام المجلسي: مخاطر الاستبداد وتحديات التوازن:
تتجلى عيوب النظام المجلسي فيما يلي:
1-دمج السلطات في يد البرلمان قد يفتح الباب أمام استبداده وطغيانه في ممارسة السلطة، تحت لواء الشرعية التي يستمدها من تمثيله للشعب.
2-يُعتبر مبدأ دمج السلطات في يد هيئة واحدة، سواء كانت السلطة التشريعية أو التنفيذية، مخالفاً لمبدأ الديمقراطية القائم على الفصل بين السلطات كضمانة أساسية لحسن التدبير ومنع التغول.
من خلال ما سبق، يمكن القول أن النظام المجلسي القائم على دمج السلطات الثلاث في يد البرلمان، يُعد النظام النيابي الأكثر تجسيداً للديمقراطية الفعلية إذا ما طُبق بشكل صحيح وفي بيئة سياسية واجتماعية ناضجة، وأن تطبيقه غير الصائب يؤدي إلى مزيد من الاستبداد والتعسف في استخدام السلطة، الشيء الذي يجعله يؤول تدريجياً إلى نظام شبه دكتاتوري يقوض أسس الديمقراطية.
أما بخصوص تطبيق هذا النظام في سويسرا، فالملاحظ هو أن النظام السويسري تم تكييفه مع البيئة الداخلية الفريدة بحيث أنه لا يشتمل على كل خصائص نظام الجمعية من الناحية الوظيفية، ويمكن أن نلمس ذلك على سبيل المثال في عدم إمكانية عزل أعضاء المجلس الفدرالي قبل انتهاء عهدتهم من طرف الجمعية الاتحادية كتوازن بين الاستقرار والمساءلة.
وعلى الرغم من ذلك، يبقى النظام السويسري نموذجاً ناجحاً لهذا النوع من الأنظمة الديمقراطية النيابية ومثالاً يحتذى به، وقد ساهم تبنيه في تجنيب سويسرا الوقوع في العديد من الأزمات السياسية التي تشهدها مختلف الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية القائمة في الوقت الراهن بفضل خصوصيته وتكيفه مع الواقع السويسري.
المرجو الضغط هنا لتحميل الموضوع رابط التحميل.