أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

أوجه الإختلاف والتشابه في أحكام المسؤولية التقصيرية في التشريعين المغربي والمصري والآثار المترتبة عن هذه الأحكام

لتحميل الموضوع سوف تجدون رابط التحميل أسفل المقال.

مقدمة:

تُعد المسؤولية التقصيرية من الركائز الأساسية في القانون المدني، حيث تهدف إلى تحقيق العدالة من خلال إلزام مرتكب الفعل الضار بتعويض المتضرر عن الأضرار التي لحقت به.

يكتسب هذا الموضوع أهمية خاصة عند مقارنة الأنظمة القانونية المختلفة، إذ يكشف عن مدى تأثرها بالمبادئ القانونية المشتركة والخصوصيات التشريعية والثقافية لكل دولة.

يتناول هذا الموضوع تحليلا لأحكام المسؤولية التقصيرية في كل من التشريع المدني المغربي والمصري، ساعيا إلى تحديد أوجه التشابه التي تعكس الأسس القانونية المتينة المشتركة، وإبراز الإختلافات التي تعكس التوجهات التشريعية المتميزة لكل نظام، بالإضافة إلى استكشاف الآثار القانونية المترتبة على هذه الأحكام في سياق التطبيق العملي والقضائي في كلا البلدين.

الفقرة الأولى: أوجه التشابه في الأسس والمبادئ المنظمة للمسؤولية التقصيرية:

يتشارك التشريعان المغربي والمصري في تبني مجموعة من الأسس والمبادئ الجوهرية التي تنظم أحكام المسؤولية التقصيرية، مما يعكس تأثرهما بالإتجاهات الحديثة في القانون المدني، وتتجلى أبرز هذه المشتركات فيما يلي:

اولا: المسؤولية عن الفعل الشخصي القائم على الخطأ:

يُعد مبدأ المسؤولية عن الفعل الشخصي القائم على إثبات الخطأ حجر الزاوية في كلا النظامين. فالمادة 44 من قانون الالتزامات والعقود المغربي والمادة 162 من القانون المدني المصري تنصان بوضوح على أن كل من ارتكب خطأ سبب ضررا للغير يلزم بالتعويض.

ويؤكد كلا التشريعين على أن التعويض يستحق سواء كان الخطأ عمديا أو ناتجا عن إهمال أو تقصير، مع إلقاء عبء الإثبات على عاتق المضرور.

ثانيا: الأهلية الإدراكية والتمييز كشرط للمسؤولية:

يتفق كلا القانونين على أن الركن المعنوي للخطأ يتطلب توافر الإدراك والتمييز لدى الفاعل وقت ارتكاب الفعل الضار، وهذا يستتبع عدم مسؤولية الأشخاص الذين لا يتمتعون بهذه الأهلية، كالصبي غير المميز والمجنون والمعتوه، والأشخاص في حالات فقدان الوعي.

في المقابل يُسأل الأشخاص ذوو الأهلية الناقصة كالأصم والأبكم والسفيه عن أفعالهم الضارة، مما يعكس تبني نظرية المسؤولية الشخصية التي تربط المسؤولية بالإدراك والقدرة على التمييز.

ثالثا: نظرية التعسف في استعمال الحق:

يعترف كلا التشريعين بنظرية التعسف في استعمال الحق كأحد مصادر المسؤولية التقصيرية. وقد حددت المادة 53 من قانون الالتزامات والعقود المغربي والمادة 3 من القانون المدني المصري صورا متقاربة لهذا التعسف، ترتكز على فكرة الإنحراف بالحق عن وظيفته الإجتماعية والإقتصادية، سواء بقصد الإضرار بالغير، أو لتحقيق مصلحة ضئيلة الأهمية مقارنة بالضرر الناتج، أو لتحقيق مصلحة غير مشروعة.

رابعا: التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية:

يقر كلا النظامين بحق المتضرر في الحصول على تعويض شامل يغطي الأضرار المادية التي لحقت بذمته المالية (كالخسارة الفعلية وفوات الكسب)، والأضرار المعنوية التي تمس مشاعره وعواطفه وسمعته وكرامته، ويشترط لإستحقاق التعويض وجود إخلال بحق أو مصلحة مشروعة للمضرور وأن يكون الضرر محقق الوقوع.

خامسا: ضرورة قيام العلاقة السببية المباشرة:

يؤكد كلا التشريعين على ضرورة قيام علاقة سببية مباشرة بين الخطأ المرتكب والضرر اللاحق بالمضرور، فلا يُعوض إلا عن الأضرار التي تعتبر نتيجة طبيعية ومحتملة للخطأ.

سادسا: أسباب الإعفاء من المسؤولية:

يتفق كلا القانونين على جملة من الأسباب التي تؤدي إلى انتفاء المسؤولية التقصيرية، كخطأ المضرور نفسه الذي ساهم في وقوع الضرر أو تفاقمه، والقوة القاهرة والحادث الفجائي والسبب الأجنبي الذي لا يمكن دفعه أو توقعه.

سابعا: المسؤولية المفترضة عن فعل الغير والأشياء:

يتبنى كلا النظامين فكرة المسؤولية المفترضة في حالات معينة، مثل مسؤولية المكلفين برقابة القاصرين، ومسؤولية المتبوع عن أفعال تابعه، ومسؤولية حارس الحيوان والأشياء والبناء، تقوم هذه المسؤولية على قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس في بعض الحالات وتستند إلى فكرة ضمان السلامة والرقابة الفعالة.

الفقرة الثانية: أوجه الإختلاف المميزة في نطاق وتفاصيل أحكام المسؤولية التقصيرية:

بالرغم من الأسس المشتركة، تبرز اختلافات هامة بين التشريعين المغربي والمصري في تفاصيل ونطاق بعض أحكام المسؤولية التقصيرية، مما يعكس التطور التشريعي المستقل والتأثر بالمدارس القانونية المختلفة وتتجلى هذه الإختلافات في النقاط التالية:

أولا: حالات محددة لانتفاء المسؤولية عن الفعل الشخصي:

يتميز القانون المصري بتوسيع نطاق الحالات التي تنتفي فيها المسؤولية رغم وقوع الضرر، بإضافته لحالتي تنفيذ أمر صادر من الرئيس وحالة الضرورة، وهما حالتان لا ينص عليهما القانون المغربي بشكل صريح.

ثانيا: تحديد سن التمييز:

يمثل اختلاف سن التمييز (12 سنة في المغرب و 7 سنوات في مصر) تباينا في تقدير المرحلة العمرية التي يصبح فيها الشخص مسؤولا عن أفعاله الضارة، وهو ما قد يؤثر على نطاق المسؤولية عن أفعال الأحداث.

ثالثا: معيار تحديد المستحقين للتعويض عن الضرر الأدبي:

يتبنى القانون المصري معيارا حصريا لتحديد الأشخاص الذين يحق لهم المطالبة بالتعويض عن الضرر الأدبي الناجم عن وفاة شخص عزيز، بينما يمنح القانون المغربي القاضي سلطة تقديرية أوسع في تحديد المستحقين دون تقييدهم بفئات محددة.

رابعا: نطاق مسؤولية المكلف برقابة القاصر:

يعكس التحديد الضيق للمسؤولين عن رقابة القاصر في القانون المغربي (الأب والأم بعد وفاة الأب) مقارنة بالنطاق الأوسع في القانون المصري (كل من يعيش في كنف القاصر ويقوم على تربيته) اختلافًا في فلسفة توزيع مسؤولية رعاية القاصرين. كما أن اختلاف سن انتهاء الرقابة (18 سنة في المغرب و 15 سنة في مصر) له آثار عملية على تحديد مدة مسؤولية هؤلاء الأشخاص.

خامسا: شروط مسؤولية المتبوع عن فعل التابع وتعداد التابعين:

يضيف القانون المصري شرط وقوع خطأ التابع "عند أداء الوظيفة وبسببها" كضابط لقيام مسؤولية المتبوع، وهو ما يتماشى مع التفسير الواسع للعلاقة السببية.

كما أن التعداد المحدد لفئات التابعين في القانون المصري يقابله تعداد مختلف في القانون المغربي، بالإضافة إلى إفراد القانون المغربي لمسؤولية خاصة بموظفي الشبيبة والرياضة تقوم على الخطأ الواجب الإثبات.

سادسا: شروط دفع مسؤولية حارس الأشياء ومعيار خطورة الشيء:

يشدد القانون المغربي على ضرورة إثبات الحارس ليس فقط السبب الأجنبي، بل أيضًا قيامه بما يلزم لمنع الضرر، كما أنه لا يميز بين الأشياء الخطرة وغير الخطرة في قيام المسؤولية، على عكس القانون المصري الذي يشترط أن تكون حراسة الشيء تتطلب عناية خاصة لما ينطوي عليه من خطر.

الفقرة الثالثة: الآثار القانونية المترتبة على أحكام المسؤولية التقصيرية في كلا التشريعين:

يترتب على ثبوت المسؤولية التقصيرية في كلا النظامين القانونيين مجموعة من الآثار الهامة، يأتي في مقدمتها الحق في التعويض.

أولا: آليات الحصول على التعويض:

يتفق كلا التشريعين على إمكانية حصول المتضرر على التعويض وديًا عن طريق الاتفاق مع المسؤول، أو قضائيا عن طريق رفع دعوى التعويض. وتخضع الإجراءات القضائية لقواعد قانون المسطرة المدنية في المغرب وقانون المرافعات المدنية والتجارية في مصر.

ثانيا: أنواع التعويض وأساليب تقديره:

يقر كلا القانونين بالتعويض العيني والنقدي كآليتين لجبر الضرر، مع غلبة التعويض النقدي في التطبيق العملي.

ويمنح كلا النظامين قاضي الموضوع سلطة تقديرية واسعة في تحديد مبلغ التعويض، مع التأكيد على ضرورة مراعاة الضرر اللاحق والكسب الفائت والظروف الشخصية للمضرور، مع خضوع هذا التقدير لرقابة محكمة النقض من حيث تطبيق القانون وتعيين عناصر الضرر.

ثالثا: تقادم دعوى التعويض وأثره على الحق:

يقر كلا التشريعين بمبدأ تقادم دعوى التعويض، إلا أنهما يختلفان في تحديد المدد، فتقادم الدعوى في القانون المصري أقصر (ثلاث سنوات من العلم بالضرر والمسؤول، وخمس عشرة سنة من وقوع الفعل الضار) مقارنة بالقانون المغربي (خمس سنوات من العلم، وعشرين سنة من وقوع الضرر)، ويترتب على انقضاء مدة التقادم سقوط الحق في رفع الدعوى والمطالبة بالتعويض.

خاتمة:

تكشف الدراسة المقارنة لأحكام المسؤولية التقصيرية بين التشريعين المغربي والمصري عن تقارب في الأسس والمبادئ العامة، ولكنهما يتميزان باختلافات جوهرية في بعض التفاصيل والتطبيقات التي تعكس التطور التشريعي لكل منهما والسياقات القانونية والاجتماعية التي نشآ فيها.

إن فهم هذه الأوجه من التشابه والاختلاف يمثل ضرورة حتمية للفهم العميق للقانون المدني في كلا البلدين ويسهم في إثراء البحث القانوني المقارن.

للتحميل المرجو الضغط هنا رابط التحميل.

--------------------------

لائحة المراجع:

-القانون المدني المصري.
-القانون المدني المغربي(قانون الإلتزامات والعقود).

تعليقات