تعريف مبدأ سنوية الميزانية العامة واستثناءاته:
لتحميل هذا الموضوع سوف تجدون الرابط أسفل المقال.
يعتبر مبدأ السنوية أحد أبرز المبادئ الكلاسيكية التي تحكم الميزانية العامة. هذه القاعدة العريقة، التي ارتقَت إلى مستوى المبدأ منذ عام 1814، أصبحت اليوم ركيزة مالية ثابتة في مختلف التشريعات المالية المقارنة حول العالم.
أولاً: مضمون مبدأ السنوية:
تُعدّ الميزانية العامة بشكل دوري وتُقرّ لفترة زمنية محددة، غالباً ما تكون سنة واحدة. هذا التحديد الزمني لا يأتي من فراغ، بل يستند إلى اعتبارات جوهرية:
1-تسهيل الرقابة البرلمانية:
يتيح تحديد فترة سنوية للبرلمان ممارسة رقابة فعّالة على الأداء المالي للحكومة ونشاط الدولة.
2-صعوبة التوقعات طويلة الأمد:
في الفكر المالي التقليدي، يصعب التنبؤ بالإيرادات والنفقات بدقة لفترات تتجاوز السنة.
3-الملاءمة الإجرائية:
تعتبر السنة فترة مثالية وضرورية لإعداد مشروع الميزانية العامة وعرضه على البرلمان للمصادقة عليه.
إن مبدأ السنوية يؤكد أن الميزانية العامة تُحضّر، تُعتمد، وتُنفّذ على أساس سنوي. هذا يعني أن تنفيذها يرتبط بمدة زمنية محددة لا تتجاوز 12 شهراً، تُعرف بالسنة المالية. وعليه، فالميزانية هي بيان مالي مرخص به لتغطية هذه الفترة الزمنية المقبلة.
خلال هذه السنة المالية، تلتزم الحكومة بتنفيذ تعهداتها المالية المحددة في الميزانية، سواء كان ذلك بصرف الاعتمادات أو استخلاص الإيرادات.
فالسنوية، إذن، هي المدة الزمنية التي يغطيها تنفيذ الميزانية العامة، وتمتد من اليوم الأول لبدء صرف الاعتمادات وتحصيل الإيرادات، حتى اليوم الأخير لانتهاء العمل بها. هذه المدة لا تقل ولا تزيد عن اثني عشر شهراً في غالبية الأنظمة المالية.
لقد برر الفقه المالي مبدأ السنوية بثلاثة اعتبارات رئيسية:
-سياسية: تعزيز الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي في المجال المالي. فإلزام الحكومة بالمثول أمام البرلمان بصفة منتظمة يضمن التزامها بالترخيص الممنوح لها في التصرف بالأموال العمومية وتقديم نتائج العمليات المالية.
-تقنية: السنوية فترة وجيزة ومناسبة تساهم في إضفاء الدقة والمصداقية على تقديرات الإيرادات والنفقات، وتتوافق مع السير العادي للإدارات العمومية وضرورة تقديم حساباتها سنوياً.
-اقتصادية: توفر السنوية إطاراً ملائماً لإيقاع الحياة الاجتماعية والاقتصادية (مثل الحصيلة السنوية للمقاولات)، كما تسهل عملية التقديرات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي للدولة.
تطبيق مبدأ السنوية في المغرب:
يُطبق مبدأ سنوية الميزانية العامة في المغرب بموجب الفصل 75 من الدستور. على الرغم من أن الفصل لا يشير إليه بشكل مباشر وصريح، إلا أنه يقر به ويكرسه ضمن آليات تدبير مالية الدولة.
ينص الفصل على أنه في حال عدم التصويت على قانون المالية أو عدم صدور الأمر بتنفيذه بنهاية السنة المالية، يمكن للحكومة فتح الاعتمادات اللازمة لضمان سير المرافق العمومية بمرسوم، بناءً على الميزانية المعروضة للموافقة.
في المقابل، تؤكد المادة الأولى من القانون التنظيمي لقانون المالية على مبدأ السنوية بشكل صريح وواضح، حيث تنص: "يحدد قانون المالية، بالنسبة لكل سنة مالية، طبيعة ومبلغ وتخصيص مجموع موارد وتكاليف الدولة".
كما تؤكد الفقرة الثانية من المادة الثالثة من نفس القانون سنوية الميزانية وتحدد بدايتها ونهايتها: "تبتدئ السنة المالية في فاتح يناير وتنتهي في 31 دجنبر من نفس السنة".
بناءً عليه، تُعد الميزانية في المغرب لسنة مالية تتطابق مع السنة المدنية (من 1 يناير إلى 31 ديسمبر). تجدر الإشارة إلى أن هذا التطابق لم يكن دائماً قائماً؛ فقد اعتمد المغرب سنوات مالية منفصلة عن السنة المدنية في فترات سابقة:
-1913-1917: من فاتح مايو إلى 30 أبريل.
-1931-1932: من فاتح أبريل إلى 31 مارس.
-1996-2000: من فاتح يوليو إلى 30 يونيو.
عاد المغرب إلى مبدأ تطابق السنة المالية مع السنة المدنية ابتداءً من عام 2001. هذا التطابق شائع في غالبية الدول، مثل فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، هولندا، وبلجيكا. ومع ذلك، هناك دول لا تتبع هذا النمط؛ فاليابان وبريطانيا تبدآن سنتهما المالية في 1 أبريل، والسويد ومصر في 1 يوليو، والولايات المتحدة الأمريكية في 1 أكتوبر. بينما تعتمد المملكة العربية السعودية على التقويم الهجري في تحديد سنتها المالية.
ثانياً: استثناءات مبدأ السنوية:
لقد أثر تطور وظائف الدولة بعمق على المبادئ التقليدية المنظمة للميزانية العامة، ومبدأ السنوية ليس استثناءً. هناك العديد من الاستثناءات التي تكسر القاعدة العامة للسنوية، ويمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيين:
1-استثناءات داخل إطار السنة (لمدة أقل من سنة):
تتعلق هذه الاستثناءات بالميزانيات التي تُعتمد لمدة تقل عن سنة، حيث يمكن الموافقة على بعض الإيرادات والاعتمادات لفترة أقصر. ومن أبرز هذه الحالات:
أ-دخول قانون المالية حيز التنفيذ بعد افتتاح السنة المالية:
الأصل أن يصادق البرلمان على مشروع قانون المالية السنوي قبل 31 ديسمبر من السنة السابقة لسنة التنفيذ ليُطبق ابتداءً من 1 يناير. لكن، إذا صوت البرلمان بعد هذا التاريخ لأي اعتبار، فإن الترخيص البرلماني يكون قد مُنح لمدة تقل عن سنة.
تشمل الحالات التي يتعذر فيها تطبيق مبدأ السنوية بسبب تأخر دخول القانون حيز التنفيذ ما يلي:
-التأخر في المصادقة على قانون مالية السنة:
يحدث ذلك عندما يفشل البرلمان في المصادقة على مشروع قانون المالية السنوي في الأجل المحدد (قبل 31 ديسمبر)، لأسباب مثل استمرار الخلافات بين البرلمانيين حول محتوى المشروع، رفض النواب له، أو مواصلة دراسته لما بعد التاريخ المحدد بسبب تأخر الحكومة في عرضه. في هذه الحالات، يصادق البرلمان على القانون بعد 31 ديسمبر، وتُمنح موافقته للمدة المتبقية من السنة.
من الأمثلة على ذلك تأخر التصويت على مشروعي قانون المالية لعامي 2012 و 2017، حيث لم يصوت البرلمان على الأول إلا في مايو 2012، والثاني في مايو 2017.
-عدم صدور الأمر بتنفيذ قانون المالية السنوي قبل بداية السنة المالية:
لا يصبح قانون المالية السنوي قابلاً للتطبيق إلا بعد صدور الأمر بتنفيذه بموجب ظهير ملكي، طبقاً للفصل 50 من الدستور. قد يتأخر صدور هذا الأمر بعد افتتاح السنة المالية الجديدة بسبب إحالته إلى المحكمة الدستورية للنظر في مدى دستوريته.
في هذه الحالة، يمكن لأطراف متعددة (الملك، رئيس الحكومة، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس المستشارين، أو عدد معين من أعضاء المجلسين) إحالة القانون إلى المحكمة الدستورية للبت في مطابقته للدستور خلال شهر (أو ثمانية أيام في حالة الاستعجال). في هذه الظروف، قد يُطبق القانون لفترة زمنية تقل عن سنة.
وتجدر الإشارة إلى أنه طبقاً للمادة 50 من القانون التنظيمي لقانون المالية، يمكن للحكومة فتح اعتمادات بمرسوم لضمان سير المرافق العمومية ريثما يُعتمد قانون المالية السنوي، وتكون هذه الاعتمادات مخصصة لمدة تقل عن سنة.
ب-قانون المالية التعديلي:
هو قانون ذو طبيعة مالية يمكن اللجوء إليه خلال السنة المالية لتعديل أو تغيير مضمون القانون المالي السنوي. وفقاً للمادة 4 من القانون التنظيمي لقانون المالية، لا يجوز تعديل أحكام قانون المالية السنوي خلال السنة إلا بقوانين مالية معدلة. تسمح هذه القوانين بتصحيح أو تعديل مضمون أو اختيارات قانون المالية السنوي، الذي هو بطبيعته وثيقة توقعية للإيرادات والنفقات، وذلك لمواجهة تغير المعطيات أو الفرضيات أو الظروف التي بُني عليها.
وبالتالي، فإن تكييف قانون المالية مع الحاجيات الجديدة، المتطلبات، والأعباء المالية غير المتوقعة التي قد تواجه الحكومة خلال السنة المالية، يتطلب قانوناً مالياً تعديلياً يُنفّذ في المدة المتبقية من تلك السنة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لقانون المالية التعديلي أن يأذن بفتح اعتمادات مالية جديدة، أو يؤسس لترخيصات جديدة لاستخلاص إيرادات إضافية، أو يتضمن مقتضيات جبائية جديدة لم تكن واردة في القانون المالي السنوي. عند مصادقة البرلمان عليه، يمنح ترخيصاً جديداً للحكومة لمدة تقل عن الإطار السنوي.
ت-الاعتمادات الإضافية:
أقرت المادة 60 من القانون التنظيمي لقانون المالية إمكانية فتح اعتمادات إضافية بمرسوم أثناء السنة في الحالات الاستثنائية التي تعزى إلى وجود ضرورة ملحة وغير متوقعة ذات مصلحة وطنية. يتخذ هذا المرسوم بناءً على اقتراح من الوزير المكلف بالمالية، ويتم إخطار اللجنتين المكلفتين بالمالية في البرلمان مسبقاً. يُفرض اللجوء لهذه التقنية بحالة مستعجلة تقتضيها المصلحة الوطنية، سواء كان ذلك بسبب نقص في الاعتمادات المفتوحة أو ظهور مستجدات تتطلب ذلك. تنفيذ هذه الاعتمادات الإضافية يكون لمدة تقل عن السنة.
2-استثناءات خارج إطار السنة (لمدة تتجاوز السنة):
تتمثل هذه الاستثناءات في الميزانيات التي يتم اعتمادها لفترة تتجاوز السنة المالية الواحدة. يمكن أن يمتد تنفيذ بعض الاعتمادات المدرجة في القانون المالي لفترة أطول من الإطار السنوي. من أهم هذه الحالات:
أ-اعتمادات الالتزام:
حسب الفقرة الثانية من الفصل 75 من الدستور، يصوت البرلمان مرة واحدة على نفقات التجهيز التي يتطلبها إنجاز المخططات التنموية الاستراتيجية والبرامج متعددة السنوات في مجال التنمية.
تستمر موافقة البرلمان على هذه الاعتمادات تلقائياً طيلة مدة هذه المخططات والبرامج. هذا النوع من النفقات يُعد استثناءً لمبدأ سنوية الميزانية العامة، كونه يتعلق ببرامج ومشاريع استثمارية كبرى لا يمكن تنفيذها في سنة واحدة.
توجه نفقات الاستثمار، وفقاً للمادة 17 من القانون التنظيمي للمالية، لإنجاز المخططات التنموية الاستراتيجية والبرامج متعددة السنوات بهدف الحفاظ على الثروات الوطنية أو إعادة تكوينها أو تنميتها. تهدف هذه الاستثناءات إلى تجاوز الصعوبات العملية التي تنجم عن التضارب بين الميزانية السنوية والمخططات الاقتصادية طويلة أو متوسطة الأمد.
تشتمل الاعتمادات المتعلقة بنفقات الاستثمار، حسب المادة 18 من القانون التنظيمي لقانون المالية، على اعتمادات الأداء واعتمادات الالتزام. تعتبر الأخيرة الحد الأعلى أو المبلغ الأقصى للنفقات المأذون للآمرين بالصرف الالتزام بها لتنفيذ الاستثمارات المقررة، وتُحدد بناءً على توقعات المخططات التنموية الاستراتيجية والبرامج متعددة السنوات. تشكل اعتمادات الالتزام السقف الأعلى للاعتمادات المخصصة للتجهيز، والتي يمكن للوزراء الالتزام بها لإنجاز مشاريع استثمارية كبرى تمتد لعدة سنوات، مما يُلزم مالية الدولة طيلة هذه السنوات ويشكل استثناءً لمبدأ السنوية.
تُظهر مقتضيات المادة 7 من القانون التنظيمي للمالية أن اعتمادات الالتزام والبرامج متعددة السنوات تُعد من استثناءات مبدأ السنوية لكونها قد تلزم التوازن المالي للدولة للسنوات المالية اللاحقة. تأخذ اعتمادات الالتزام صورة التكلفة المالية الإجمالية والقصوى لنفقات التجهيز التي يمتد صرفها طيلة فترة إنجاز المشاريع الاستثمارية الكبرى. قانونياً، تلتزم الحكومة باحترام السقف المحدد للتكلفة الإجمالية لهذه المشاريع، وتعمل على فتح الاعتمادات السنوية المطلوبة للإنجاز في إطار القانون المالي السنوي.
ب-ترحيل الاعتمادات:
هو العملية التي تسمح بإعادة إضافة الاعتمادات المخصصة لوزارة معينة لسنة مالية، وغير المستهلكة كلياً أو جزئياً، إلى الاعتماد المرصود بميزانية السنة المقبلة. بمعنى آخر، المبالغ المالية المفتوحة لوزارة أو مؤسسة ولم تُستهلك بالكامل خلال السنة المالية، يتم نقلها أو ترحيلها إلى السنة المالية الموالية.
يُعتبر ترحيل الاعتمادات استثناءً لمبدأ سنوية الميزانية. طبقاً للمادة 63 من القانون التنظيمي للمالية، لا يجوز ترحيل الاعتمادات المفتوحة في الميزانية العامة برسم سنة مالية إلى السنة الموالية.
وتؤكد المادة 16 من نفس القانون أن الاعتمادات المفتوحة لنفقات التسيير هي اعتمادات سنوية، مما يعني عدم جواز ترحيل المبالغ غير المستهلكة منها إلى السنة المالية الموالية. لكن، منع ترحيل الاعتمادات ليس مطلقاً.
تنص الفقرة الثانية من المادة 63 على أن اعتمادات الأداء المفتوحة ضمن نفقات الاستثمار في الميزانية العامة وأرصدة الالتزام المؤشر عليها والتي لم يصدر الأمر بصرفها، ترحّل، ما لم ينص قانون المالية للسنة على خلاف ذلك، في حدود 30% من اعتمادات الأداء المفتوحة بميزانية الاستثمار لكل قطاع وزاري أو مؤسسة. يمكن تخفيض هذا السقف بموجب قانون المالية، وتضاف الاعتمادات المرحلة إلى اعتمادات الأداء المفتوحة بموجب قانون المالية للسنة.
عموماً، تشمل الاعتمادات التي يمكن ترحيلها في التشريع المالي المغربي: اعتمادات الأداء، أموال الهبات والوصايا والمساعدات، فائض ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بطريقة مستقلة، وأرصدة الحسابات الخصوصية للخزينة. (يحدد الوزير المكلف بالمالية، طبقاً للمادة 22 من المرسوم المتعلق بإعداد وتنفيذ قوانين المالية، كيفيات ترحيل الاعتمادات).
لتحميل الموضوع المرجوا الضغط هنا رابط التحميل .
------------------------------------
لائحة المراجع:
-دستور المملكة المغربية.
-القانون التنظيمي للمالية.
-مدخل لدراسة قانون الميزانية للأستاد مصطفى معمر.
-محاضرات في قانون الميزانية للأستاذ أحمد حسون.