النظام البرلماني البريطاني: ريادة وتطور:
لتحميل هذا الموضوع سوف تجدون الرابط أسفل المقال.
مقدمة:
تُعتبر المملكة المتحدة مثالاً بارزاً للأنظمة البرلمانية، حيث شهدت نشأة هذا النوع من الحكم في القرن الثامن عشر، والذي عُرف آنذاك بـ النموذج التقليدي أو النظام المزدوج.
ويتميز هذا النظام بفصل مرن بين السلطات وتوازن بين المؤسسات الحاكمة، مما يتيح رقابة متبادلة بينها.
بناءً على ذلك، يتوجب على الحكومة كسب ثقة البرلمان، وفي المقابل يحق للحكومة حل البرلمان والدعوة لإنتخابات جديدة في حال نشوب خلاف جوهري بينهما.
الفقرة الأولى: الخلفية التاريخية للنظام البرلماني:
تحمل بريطانيا لقب "أصل البرلمانات"، فقد كانت المنطلق الأساسي للمقومات الجوهرية للحكم النيابي الذي طُبق لاحقاً في مختلف الديمقراطيات حول العالم.
لم يقم النظام البرلماني البريطاني على أساس نظرية سياسية مُعدة مسبقاً، بل كان ثمرة تراكمية لتجربة المجتمع الإنجليزي وتطور مؤسساته الدستورية.
لذا، فإن التعمق في التجربة البريطانية يعني في ذات الوقت فهم منشأ وتطور هذا النظام العريق، الذي يحتل مكانة رائدة بين الأنظمة السياسية المعاصرة.
تكمن الميزة المحورية للنظام البرلماني في بريطانيا في اعتماده بشكل أساسي على مجموعة من الأعراف الدستورية والقواعد القانونية غير المكتوبة، بالإضافة إلى عدد من القوانين ذات الصبغة الدستورية التي أقرتها البرلمانات البريطانية على فترات متباعدة.
تعود الجذور التاريخية للنظام البرلماني الحالي في بريطانيا إلى بدايات العصور الوسطى، حيث شهد هذا النظام منذ ذلك الحين تحولات كبيرة بفعل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على نسيج المجتمع البريطاني.
يمكن إيجاز هذا التطور التاريخي عبر ثلاث مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى: كفاح من أجل الحريات وتقييد السلطة الملكية:
اتسمت هذه الحقبة بصراع عنيد على السلطة بين الملوك الذين كانوا يطمحون إلى حكم مطلق، وبين طبقة النبلاء الأرستقراطية وملاك الأراضي الذين كانوا حريصين على صون امتيازاتهم ويتطلعون إلى تقليص سلطات الملك المطلقة لمصلحتهم.
خلال هذا الصراع الطويل الذي استمر حتى النصف الثاني من القرن السابع عشر، أُرغم الملوك، تحت ضغط تمرد النبلاء، على التنازل عن جزء من صلاحياتهم والاعتراف للنبلاء ببعض الحقوق والحريات.
بيد أن تراجع الملوك في هذا الشأن لم يخلُ من محاولات متكررة لاستعادة الحكم المطلق، والذي لم يوضع له حد نهائي إلا بعد ثورة 1688 المجيدة.
المرحلة الثانية: نشأة النظام البرلماني البريطاني:
بدأت ملامح النظام البرلماني في بريطانيا بالوضوح منذ أواخر القرن السابع عشر، وخصوصاً عقب ثورة 1688.
بعد ذلك، ما لبثت أسس هذا النظام وقواعده العرفية أن تبلورت وترسخت خلال القرنين التاليين. فالصراع الذي دار بين الملك والبرلمان، ممثل الأرستقراطية، على مدى القرون الخمسة السابقة، أفضى تدريجياً إلى إضعاف نفوذ الملك وتأثيره في الحياة السياسية، بينما انتقلت مهام ممارسة الحكم إلى الحكومة المنبثقة عن البرلمان والتي تعمل تحت رقابته.
وهكذا، أصبح البرلمان هو الممثل للإرادة الشعبية والمصدر الرئيسي للسلطة، في حين تحولت الملكية المطلقة إلى مؤسسة رمزية "تسود ولا تحكم".
المرحلة الثالثة: ترسيخ دعائم الديمقراطية:
لم تكن الديمقراطية بمفهومها الواسع، الذي يفترض مشاركة جميع المواطنين بالتساوي في تقرير شؤون الحكم وإدارة القضايا العامة، معروفة في المجتمع البريطاني حتى مطلع القرن العشرين.
فالنظام البرلماني الذي تحقق خلال الصراع بين الأرستقراطية والملك كان نظاماً غير ديمقراطي؛ لأنه كان يحصر حق المشاركة في الحياة السياسية بفئة محدودة من أفراد الشعب، تتكون بشكل رئيسي من أبناء الطبقتين الأرستقراطية والبرجوازية الكبيرة، بينما كانت الغالبية العظمى من أفراد الشعب مستبعدة عن الحياة العامة ومحرومة من أبسط الحقوق السياسية.
منذ بداية القرن التاسع عشر، تولت الطبقة البرجوازية قيادة الحركة الديمقراطية، وذلك لخدمة مصالحها السياسية وتلبية لمطالب جماهير سكان المدن الكبرى التي رأت أنه من غير المنطقي استمرار إقصائها عن الحياة السياسية بعد تزايد وزنها وتأثيرها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
وقد استهدف نضال الحركة الديمقراطية تحقيق هدفين رئيسيين: إلغاء نظام الانتخابات القديم وإقرار مبدأ الاقتراع العام والشامل، وإعطاء الأولوية في الحياة السياسية لمجلس العموم باعتباره المجلس المنتخب من قبل الشعب والمعبر بالتالي عن إرادته.
حتى عام 1909، كان مجلس اللوردات يتمتع بسلطات تشريعية ومالية وقضائية واسعة تميزه عن مجلس العموم وتمنحه مركز الأولوية داخل البرلمان.
كان لا بد للحركة الديمقراطية أن توجه النقد اللاذع لهذه المؤسسة الأرستقراطية بهدف إضعافها لصالح مجلس العموم.
وقد لاحت الفرصة للحركة الديمقراطية لتحقيق هذا الهدف على إثر الخلاف الذي نشب في عام 1909 بين حكومة الأحرار ومجلس اللوردات حول إقرار مشروع قانون الميزانية العامة الذي كان يتضمن بعض التدابير الإصلاحية، ومن بينها فرض ضريبة على الدخل.
اعتبر المجلس أن من شأن هذه التدابير إحداث تغيير جذري في المجتمع يهدد مصالح الأرستقراطية، ولذلك قام برفض الموافقة على المشروع إزاء هذا الموقف قررت الحكومة الاستمرار في المواجهة وإشراك الشعب في القضية، فطلبت من الملك حل مجلس العموم وإجراء انتخابات جديدة يمكن من خلالها معرفة ما إذا كانت الأغلبية الشعبية تساند الحكومة في موقفها أم تعارضها وتؤيد مجلس اللوردات.
عندما أسفرت الانتخابات عن فوز الأغلبية الجديدة من حزب الأحرار، تأكدت الحكومة من تأييد الشعب لها، فزادت من ضغطها على مجلس اللوردات الذي لم يجد أمامه إلا الإذعان للإرادة الشعبية.
فرضخ المجلس للحكومة واضطر في عام 1911 إلى التصويت بالموافقة على مشروع قانون هام عُرف لاحقاً بـ "القانون البرلماني" ونص هذا القانون على أن جميع الصلاحيات المالية هي لمجلس العموم، وحصر صلاحيات مجلس اللوردات في المجال التشريعي العادي.
وهكذا، أصبح مجلس العموم، المنتخب من الشعب، هو المجلس الأهم في البرلمان البريطاني، في حين تراجع مجلس اللوردات، الذي يمثل النبلاء، ليكتفي بدور رمزي وهامشي.
الفقرة الثانية: أركان النظام البرلماني البريطاني: تفاعل المؤسسات وديناميكية السلطة:
أولاً: رأس الدولة في المنظومة البرلمانية البريطانية:
شهد النظام الملكي في بريطانيا، الذي كان في السابق مطلق الصلاحية، تحولًا تدريجيًا نحو نقل السلطات الفعلية من الملك إلى الحكومة.
جاء هذا التغيير نتيجة لإدخال تعديلات عديدة على المؤسسات وطريقة عملها وسيرها، حتى تم تحقيق فصل واضح بين العرش والجهاز الحكومي.
فالملك "يسود ولا يحكم"، وقد احتفظت المؤسسة الملكية بتقدير واحترام البريطانيين، لكنها تُعد إرثًا تاريخيًا دون أن تملك أي صلاحيات تنفيذية حقيقية.
ينتقل العرش بين أفراد عائلة هانوفر، ذات الأصل الألماني، سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا مع تفضيل للرجال في السابق.
عمليًا، لا يشارك الملك في الحكم، بل يقتصر دوره على الإشراف على مراسم تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي يحظى بأكبر عدد من أصوات الناخبين.
وبالتالي، فإن الجهة المسؤولة فعليًا هي الحكومة وليست الملك، لأن القرار السياسي بيد الحكومة، وذلك وفقًا للمقولة المعروفة: "من لا سلطة له لا مسؤولية عليه".
كما أن توقيع الملك لا يكتسب أي قيمة دون توقيع رئيس الحكومة، فرئيس الدولة الفعلي هو رئيس الوزراء وهو المسؤول أمام البرلمان.
وهكذا، بعد أن كان الملك يتولى في الماضي جميع مهام السلطتين التشريعية والتنفيذية، فيصدر القوانين كيفما شاء ويشرف على تنفيذها عبر وزرائه ومعاونيه، تقلصت سلطاته شيئًا فشيئًا لتصبح منذ أوائل القرن الثامن عشر مجرد صلاحيات رمزية يلخصها المثل الشهير بأن "الملكية تسود ولا تحكم".
صلاحيات الملك:
تعتمد المؤسسة الملكية على مبدأ الوراثة، وينتقل العرش من الملك الراحل إلى أكبر أبنائه، ذكراً كان أم أنثى. ويتمتع الملك ببعض الصلاحيات التقليدية والشرفية التي ما يزال يحتفظ بها من العصور السابقة.
ومن أبرز هذه الصلاحيات:
-المصادقة على القوانين التي يقرها البرلمان فمصادقة الملك وتوقيعه ضروريان لنشر القوانين وإصدارها وتفعيلها.
وعلى الرغم من أن الملك يستطيع نظريًا الاعتراض على القوانين وبالتالي منع تنفيذها، فإنه لم يقم بأي مبادرة من هذا النوع منذ عام 1707.
-تعيين رئيس الوزراء: وهو زعيم حزب الأغلبية في مجلس العموم.
-تعيين بعض أعضاء مجلس اللوردات: وكذلك تعيين كبار الموظفين في السلكين المدني والعسكري.
-تمديد ولاية مجلس العموم وحله: قبل انتهاء ولايته، بناءً على اقتراح من الحكومة.
-إعلان الحرب والسلام: وإبرام المعاهدات الدولية، والاعتراف بالدول والحكومات الأجنبية، وإرسال المبعوثين الدبلوماسيين للخارج، واستقبال ممثلي الدول الأجنبية في بريطانيا.
-منح الألقاب والأوسمة.
-إصدار عفو خاص عن المحكومين.
-تولي القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية.
وتجدر الإشارة إلى أن الملك لا يستطيع ممارسة أي من هذه الصلاحيات التقليدية إلا بناءً على اقتراح الحكومة وبمشاركة رئيس الوزراء وبعض الوزراء المعنيين بالتوقيع على المراسيم الملكية ذات الصلة.
ثانياً: الحكومة في المنظومة البرلمانية البريطانية:
تُعد الحكومة بمثابة لجنة منبثقة من مجلس العموم، حيث يمثل أعضاؤها الأغلبية البرلمانية الفائزة في الانتخابات التشريعية.
فالحزب الذي نال ثقة الشعب يشكل أساس الحكومة، والملك ملزم باستدعاء رئيس الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية وتكليفه بتشكيل الحكومة.
بناءً عليه، فإن النظام البرلماني هو نظام حكومة الوزارة، وهي الوريث الفعلي لاختصاصات الملك وسلطاته.
تشمل الحكومة، وفق المفهوم البريطاني، جميع الأفراد الذين تربطهم روابط التضامن الحزبي والذين يعتبرون أنفسهم مسؤولين أمام البرلمان، ويقدر عددهم بحوالي مائة شخص يتوزعون بين وزراء وأمناء عامين للدولة، وذلك بهدف إفساح المجال للنخب الشابة لممارسة السلطة.
وعليه، تختلف الحكومة عن مجلس الوزراء الذي يضم فقط الوزراء الذين يختارهم رئيس الوزراء، وعددهم يتراوح بين 15 إلى 25 وزيرًا.
يعتبر رئيس الوزراء حجر الزاوية، فهو من يعين الوزراء ويقيلهم ويسهر على حسن سير المجلس. وفي حال سقوطه، فإن الحكومة تسقط بأكملها، وفق مبدأ التضامن الحكومي أو المسؤولية الحكومية التضامنية.
لكن رئيس الوزراء يبقى بحاجة إلى ثقة البرلمان، وهو مجلس العموم، كما أن له العديد من الامتيازات مثل منح المراتب الشرفية والألقاب والعفو، وله أيضًا حق حل البرلمان.
صلاحيات الحكومة في النظام البرلماني البريطاني:
تضطلع الحكومة البريطانية بصلاحيات مهمة وواسعة، على الرغم من أنها تخضع نظريًا لمراقبة الملك والبرلمان، ومن أبرز هذه الصلاحيات:
-تحديد السياسة العامة للبلاد في مختلف المجالات.
-مراقبة الإدارة والسهر على حسن تنفيذ القرارات التي تتخذها الحكومة.
-حق المبادرة في قضايا التشريع المالي، وبالتالي تسيطر الحكومة على مجمل الحياة المالية في البلاد.
-مشاركة البرلمان في حق المبادرة التشريعية، وفي الواقع تقوم الحكومة باقتراح الجزء الأكبر من القوانين التي يصدرها البرلمان.
-حق إصدار نصوص لها قوة القانون، بناءً على تفويض خاص تحصل عليه من مجلس العموم، وبموجب هذا الحق تتحول الحكومة إلى ممارسة صلاحيات التشريع في البلاد.
دور الحكومة في الحياة السياسية في النظام البرلماني البريطاني:
إن الأهمية الكبيرة للدور الذي تلعبه الحكومة البريطانية في الحياة السياسية لا تعود لطبيعة المهام التقليدية التي تتمتع بها الحكومات في الأنظمة البرلمانية، وإنما لكون هذه الحكومة تستمد ثقتها الفعلية من الشعب مباشرة.
فمن الناحية النظرية، يقوم الشعب البريطاني بانتخاب ممثلين له في مجلس العموم، ومن ثم يقوم هؤلاء باختيار رئيس الوزراء.
إلا أن الواقع يشير إلى أنه بفضل نظام الثنائية الحزبية، وتنظيم الأحزاب وانضباطها، والتزام الملك باحترام الإرادة الشعبية، فإن الشعب يقوم أثناء الانتخابات باختيار رئيس الوزراء الذي يوصف بأنه "ملك منتخب لمدة محدودة"، كما يقوم باختيار الحكومة التي تتشكل من اللجنة القيادية للحزب الفائز.
يمنح هذا الوضع الحكومة البريطانية مكانة ومركزًا قويًا ضمن الحياة السياسية للبلاد، فهي لم تعد عمليًا مسؤولة عن أعمالها وسياستها أمام البرلمان، وإنما هي مسؤولة مباشرة أمام الشعب الذي تستمد قوتها من ثقته بها.
ثالثاً: البرلمان في المنظومة البرلمانية البريطانية:
تعود الجذور التاريخية للمؤسسة البرلمانية في بريطانيا إلى "المجلس العام للمملكة" الذي اعتاد الملوك منذ القرن الحادي عشر على دعوته للاجتماع في بعض الأوقات العصيبة.
وكان يضم عددًا من كبار النبلاء ورجال الدين الذين يختارهم الملك، وكان دور المجلس في البداية استشاريًا يقتصر على إبداء الرأي في القضايا التي يعرضها عليه الملك.
في عام 1265، دعا الملك بعض المقاطعات والمدن الهامة إلى انتخاب ممثلين عنها من كبار أعيانها وفرسانها لحضور اجتماعات المجلس العام إلى جانب النبلاء ورجال الدين.
وخلال القرن الرابع عشر، اتفق أعضاء المجلس العام على أن يجتمع النبلاء ورجال الدين في مجلس خاص، ويجتمع ممثلو المقاطعات والمدن في مجلس آخر.
وقد تكرس هذا الانفصال في عام 1351، فأخذ المجلس الأول اسم مجلس اللوردات (مجلس النبلاء)، في حين أخذ المجلس الثاني اسم مجلس العموم (ممثل المدن والمقاطعات الهامة)، وهما المجلسان اللذان يتألف منهما البرلمان البريطاني حاليًا.
1-مجلس اللوردات:
تهيمن عليه الطبقة البرجوازية والأرستقراطية، ويضم حوالي 800 عضو على أساس الوراثة والتعيين مدى الحياة ولم يعد هذا المجلس يتمتع بأي صلاحيات فعلية بعد عام 1911، ولا يسُنّ القوانين بل له فقط حق الاعتراض.
لكن هذا المجلس يلعب دورًا مهمًا في صياغة الرأي العام، فاللورد شخصية مرموقة ومميزة، وتدخلاته تكون على مستوى عال، ويتمتع بمكانة وسُمو معنوي بين الناس.
ويتألف من حيث تركيبة أعضائه من أربع فئات:
-الفئة الأولى: تضم اللوردات الملكيين.
-الفئة الثانية: تضم اللوردات الروحيين الذين يمثلون رؤساء الكنيسة ويستمرون في عضويتهم طالما استمروا في شغل مهامهم الكنسية.
-الفئة الثالثة: اللوردات القانونيون ويمثلون القضاة ورجال القانون.
-الفئة الرابعة: وتضم اللوردات الزمنيّين وتشتمل بدورها على أربعة أصناف من اللوردات:
اللوردات بالوراثة.
اللوردات الذين يعينهم الملك من بين الشخصيات التي قدمت لبريطانيا خدمات جليلة أو أعمالًا قيمة في مختلف مجالات العلم والفكر والسياسة.
اللوردات الذين يمثلون مقاطعات اسكتلندا.
لوردات الاستئناف العادي ويعينهم الملك مدى الحياة للقيام بالصلاحيات القضائية لمجلس اللوردات.
تجدر الإشارة إلى أن هؤلاء اللوردات يشكلون بمجموعهم لجنة خاصة يرأسها وزير العدل، للقيام بمهام محكمة الاستئناف العليا في المملكة.
وتتولى هذه المحكمة، بالإضافة لمهام الاستئناف العادي، صلاحية محاكمة أعضاء الحكومة في حال توجيه تهم إليهم في قضايا جنائية من طرف مجلس العموم، وكذلك محاكمة أعضاء مجلس اللوردات في حالة الخيانة العظمى.
كما يلعب مجلس اللوردات دورًا مهمًا في تحسين نصوص مشاريع القوانين المعروضة عليه من طرف مجلس العموم، ويحتفظ بحق تعطيل عمل المجلس سنة كاملة بإصداره الفيتو على مشروع للتصويت، ويمكنه الاعتراض على مشروع قانون المالية لمدة سنة.
2-مجلس العموم:
وهو المؤسسة التي تمثل الشعب، ويتم اختيار أعضائه بالاقتراع المباشر بين الرجال والنساء على حد سواء بدءًا من عام 1928، حيث لم يكن التصويت حقًا للمرأة قبل ذلك.
تتميز بريطانيا بوجود حزبين رئيسيين فقط (المحافظون والعمال)، مما يضمن الاستقرار الحكومي وتبلغ مدة ولاية مجلس العموم 5 سنوات، ويختار رئيسه من بين أعضائه.
يُعد مجلس العموم الذراع التشريعي الفعلي، ويضم 635 عضوًا، وهو المعبر عن صوت الأمة.
ولا يحق للملك الاعتراض على القوانين التي يقرها مجلس العموم باعتباره السلطة العليا المعبرة عن إرادة الشعب. وسواء كان مشروع القانون حكوميًا أم برلمانيًا، فإنه يجب بالضرورة مروره من مجلس العموم والمصادقة عليه قبل العمل به.
وينتخب المجلس من بين أعضائه رئيسًا يُدعى المتحدث ويتمتع هذا المتحدث ببعض الامتيازات، من أهمها حق تنظيم المناقشات في المجلس وحق البت فيما إذا كان مشروع القانون المعروض على المجلس ذا طابع مالي، وبالتالي لا يجوز عرضه على مجلس اللوردات.
أ-وظائف مجلس العموم:
لمجلس العموم ثلاث وظائف رئيسية: وظيفة تشريعية، وظيفة مالية، ووظيفة الرقابة على العمل الحكومي.
الوظيفة التشريعية:
لكل عضو الحق في اقتراح القوانين ولكن بشكل مقيد، ولذلك نجد أن الإنتاج التشريعي هو بنسبة 90% للحكومة وينظر مجلس العموم في مشاريع القوانين المحالة عليه من الحكومة.
الوظيفة المالية:
للمجلس الحق في مناقشة الميزانية، فتقدم الحكومة كل سنة للمجلس مشروع الميزانية بشقيها (النفقات، الإيرادات) كما تخضع بعض النفقات العامة للرقابة من مجلس العموم كالدين العام وأجور كبار أعيان الدولة، على اعتبار أن مجلس العموم يمثل المواطنين الذين يؤدون الضرائب ويساهمون في مالية الدولة.
الوظيفة الرقابية:
يراقب البرلمان عمل الحكومة عن طريق الأسئلة البرلمانية الموجهة للوزراء المطالبين بالإجابة عنها، وتمثل هذه الأسئلة شكاوى المواطنين كما تحظى بحضور إعلامي.
كما للبرلمان تقديم ملتمس الرقابة على الحكومة لأن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان وإذا ما قُدّم ملتمس رقابة وتم التصويت عليه بالأغلبية، وجب على الحكومة أن تستقيل.
لكن بما أن الحكومة تكون منبثقة عن الأغلبية البرلمانية، فإن احتمالية التصويت بالأغلبية على ملتمس الرقابة تبقى ضعيفة.
رابعا: العلاقة بين السلطات التشريعية والتنفيذية في النظم البرلمانية: تعاون وتوازن:
تُبنى العلاقة بين السلطات في النظام البرلماني على دعامتين أساسيتين: التعاون المتبادل والتوازن الفعال.
أولاً: دعامة التعاون:
على الرغم من أن الجهاز التنفيذي والجهاز التشريعي يمارسان وظائفهما الأساسية بشكل مستقل، إلا أن كل منهما يساهم في بعض مهام الآخر.
فالسلطة التنفيذية تشارك في صياغة القوانين، وفي بعض الأحيان تُمنح الأولوية لمشاريعها التشريعية.
كما يحق لرئيس الدولة طلب إعادة النظر في مشروع قانون، ويمارس سلطة إصدار الأمر بتنفيذ التشريعات.
أما السلطة التشريعية فتساهم في أعمال السلطة التنفيذية من خلال إقرار القانون المالي والمصادقة على المعاهدات الدولية، بالإضافة إلى مراقبة الأداء الحكومي عبر آليات متنوعة مثل الأسئلة الكتابية والشفوية، والاستجوابات، والتحقيقات البرلمانية.
ثانياً: دعامة التوازن:
يتحقق التوازن في النظام البرلماني عبر وسائل ضغط متبادلة تتمثل في: المسؤولية السياسية وحق الحل.
1-المسؤولية السياسية:
يعني هذا المبدأ بشكل عام أن الحكومة لا تستطيع ممارسة صلاحياتها إلا بعد الحصول على ثقة البرلمان.
فممارسة الحكم مرهونة باكتساب تأييد الأغلبية البرلمانية، وأي سحب لهذه الثقة يؤدي إلى سقوط الحكومة ولذلك لم يعد من الضروري أن يتمتع الوزراء بثقة رئيس الدولة والبرلمان في آن واحد.
وتُعد المسؤولية السياسية هي الآلية الرئيسية لممارسة البرلمان رقابة حقيقية على أداء الحكومة، وهي تتعلق بعمل الوزراء لا بمهام رئيس الدولة.
ويمكن أن تكون هذه المسؤولية إما فردية أو جماعية، على الرغم من أنها عادةً ما تتسم بـطابع التضامن الوزاري وتمارس المسؤولية السياسية عبر إجراءين مختلفين، حسب الجهة التي تتخذ المبادرة:
-طرح مسألة الثقة: إذا كانت المبادرة من جانب الحكومة.
-ملتمس الرقابة: إذا كانت المبادرة من جانب البرلمان.
نظرا للمخاطر التي قد تشكلها هذه الإجراءات على استقرار الحكومة، يفترض النظام البرلماني وجود أغلبية برلمانية متماسكة، إلا أنها قد لا تكون متوفرة في حالات التعددية الحزبية.
وقد سعت الدساتير إلى تنظيم هذه الإجراءات ببعض الصرامة، فالحكومة ليست ملزمة بتقديم استقالتها إلا بعد طرح مسألة الثقة أو بعد تصويت إيجابي على ملتمس الرقابة، وذلك لتجنب إثارة المسؤولية الوزارية بشكل مفاجئ.
كما ينص الدستور على ضرورة احترام فترة زمنية معينة بين طرح الملتمس والتصويت عليه، وعادةً لا يُقبل ملتمس رقابة ثانٍ إلا بعد فترة محددة، إضافة إلى ضرورة التصويت بنسبة هامة من أعضاء المجلس، كالأغلبية المطلقة من الأعضاء أو ثلثي الأعضاء.
2-حق الحل:
أ-السلطة التنفيذية والرقابة على التشريع:
يحق لـمجلس الوزراء الدعوة إلى انتخابات تشريعية سواء في حالة حل مجلس العموم أو عند انتهاء ولايته.
وتشترك السلطة التنفيذية مع البرلمان في سن القوانين عن طريق اقتراح ما تراه ضروريًا، ودعوته للانعقاد لهذا الغرض.
يسمح النظام البرلماني البريطاني بالجمع بين عضوية الحكومة ومجلس العموم، إذ يمكن للوزراء حضور جلسات البرلمان بصفتهم الرسمية والمشاركة في المناقشات العامة دفاعًا عن سياسة الحكومة والاشتراك في سن القوانين.
ويُعتبر حل مجلس العموم نوعًا من الرقابة التي تمارسها السلطة التنفيذية والذي تؤثر به على عمل وتصرفات البرلمان، حيث يقوم رئيس الوزراء بالدعوة لانتخابات جديدة وإذا صوت الشعب للمعارضة، يقدم رئيس الوزراء استقالته وتسقط بذلك الحكومة، اعتبارًا بأن الشعب هو صاحب السلطة الأصيل يسلمها لمن يشاء، فالحكومة تستمد شرعيتها من الإرادة الشعبية.
ب-السلطة التشريعية والرقابة على الجهاز التنفيذي:
تتجلى رقابة السلطة التشريعية على الجهاز التنفيذي في جانبين رئيسيين:
-حق توجيه الأسئلة والاستجوابات:
يحق للبرلمان توجيه الأسئلة للوزراء تتعلق بالسياسة العامة، وهذا النظام يجبر الحكومة على البقاء على اتصال دائم بالرأي العام سعيًا للحفاظ على ثقته.
-سحب الثقة:
وهو أمر قليل الحدوث؛ إذ أن الحكومة تنبثق عن الأغلبية البرلمانية وقد يدفع الحزب رئيس الوزراء للاستقالة قبل تفاقم وضع الحزب أو سحب الثقة منه، كما حدث مع جون ميجور في تاريخ بريطانيا السياسي.
يمكن القول بأن النظام البرلماني قد أثبت كفاءته وساهم في تطوير المؤسسات لصالح الأمة، من خلال تقليص نفوذ الملك ونقل صلاحياته إلى الحكومة، وكذلك عن طريق دعم مجلس العموم المنتخب شعبيًا وتقليص صلاحيات مجلس اللوردات. وبذلك، أصبح الشعب هو صاحب الكلمة الفصل، وهو مصدر السلطة يمنحها لمن يراه أهلاً لها.
لتحميل الموضوع المرجوا الضغط هنا رابط التحميل .
------------------------------------------
لائحة المراجع:
-الأنظمة السياسية والدستورية المقارنة للدكتور حسان محمد شفيق.
-الأنظمة السياسية للدكتور صالح جواد والدكتور علي غالب.
-محاضرات في مادة الأنظمة الدستورية للأستاذ حسن لحلوي.