لتحميل هذا الموضوع سوف تجدون الرابط أسفل المقال.

مبدأ العمومية في الميزانية العامة:

مبدأ العمومية، أو الشمولية، هو ركن أساسي في إعداد وتنفيذ الميزانية العامة للدولة وغالبا ما يُنظر إليه على أنه الجانب العملي أو الإجرائي لمبدأ الوحدة.

فبينما يطالب مبدأ الوحدة بتجميع كل الإيرادات والنفقات في وثيقة مالية واحدة لضمان الشفافية والرقابة البرلمانية، يأتي مبدأ العمومية ليحدد كيف يتم هذا التجميع، مؤكدًا على ضرورة تفصيل وعرض جميع الأرقام المالية دون استثناء أو تخصيص.

أولا: مضمون مبدأ العمومية:

يهدف مبدأ العمومية إلى إظهار كافة نفقات وإيرادات الدولة في الميزانية العامة بصورة مفصلة، ودون إجراء مقاصة بينها أو تخصيص مورد لنفقة محددة.

ويستند هذا المبدأ إلى قاعدتين أساسيتين:

1-عدم المقاصة بين النفقات والإيرادات:

يعني ذلك تسجيل كل إيراد وكل نفقة بشكل منفصل، دون خصم أحدهما من الآخر.

2-عدم تخصيص مورد معين لتغطية نفقة ما:

أي أن جميع الإيرادات تشكل كتلة واحدة مخصصة لتغطية جميع النفقات، ولا يجوز ربط إيراد معين بنفقة معينة بشكل مسبق.

يركز هذا المبدأ على إدراج جميع أوجه وعناصر النشاط المالي للدولة في الميزانية العامة، بهدف إعطاء صورة مفصلة ومتكاملة عن مكونات ذلك النشاط، وذلك بتقييد كل العناصر من إيرادات ونفقات دون إهمال أو إغفال أي جزء منها، حتى لو كان ضئيلاً.

كما يقضي هذا المبدأ أيضا بعدم اللجوء إلى تخصيص مسبق ومقصود لنوع معين من الإيرادات لتمويل نوع محدد من النفقات العمومية.

ثانيا: أهداف مبدأ العمومية:

يسعى مبدأ العمومية إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية:

1-ضمان وضوح الحسابات المالية:

يساعد على إظهار حقيقة الوضعية المالية للدولة من خلال إدراج مجموع الإيرادات والنفقات العامة بصورة إجمالية ومفصلة.

2-تمكين البرلمان من الرقابة الفعالة:

يتيح للبرلمان القيام بمراقبة دقيقة للتدبير الحكومي للنشاط المالي للدولة، وذلك من خلال الوقوف على تفاصيل الميزانية العامة في شقيها الإيرادي والإنفاقي.

3-تجنب الإسراف والتبذير في الإنفاق الحكومي:

يوفر هذا المبدأ ضمانة لحسن إنفاق الأموال العمومية من جهة، وعدم تحصيل الإيرادات إلا بالقدر اللازم من جهة أخرى، مما يحد من الهدر المالي.

ثالثا: قواعد مبدأ العمومية:

في إطار مبدأ العمومية، تبرز قاعدتان محوريتان تضمنان الشفافية والرقابة الفعالة على المال العام وهما قاعدة عدم المقاصة بين المداخيل والنفقات، وقاعدة عدم تخصيص مدخول ما لنفقة محددة وتعمل هاتان القاعدتان معًا لتقديم صورة مالية شاملة ودقيقة للدولة.

1-قاعدة عدم المقاصة:

تُعد قاعدة عدم المقاصة حجر الزاوية في مبدأ العمومية، وتستمد سندها القانوني من المادة 8 من القانون التنظيمي للمالية والتي تنص على أنه "يُباشَر قبض مبلغ الحصائل بكامله دون مقاصة بين المداخيل والنفقات".

جوهر هذه القاعدة يكمن في ضرورة تسجيل كل العمليات المالية المتعلقة بالمداخيل والنفقات بقيمتها الإجمالية (الخام) في الميزانية العامة بمعنى لا يُسمح بأي خصم أو مقاصة بين الدخل والنفقة العمومية قبل إظهارهما.

هذا يعني أن المداخيل والنفقات يجب أن تظهر في الميزانية بمبلغها الكامل، دون أن تُخصم المصاريف المتعلقة بتحصيل الدخل (مثل أجور موظفي الضرائب، نفقات النقل، أو تكاليف التحصيل) من المداخيل نفسها قبل تسجيلها.

تُعرف هذه القاعدة أيضًا بمبدأ "الناتج الخام" أو "الناتج الإجمالي"، وهي تمنع تسجيل "الناتج الصافي" أو "الرصيد الصافي" فقط بعد إجراء المقاصة.

من الناحية المحاسبية، يتوجب على السلطات المالية بموجب هذه القاعدة قيد جميع المداخيل، مهما كان مصدرها، دون أن تُخصم منها المصاريف اللازمة لعملية تحصيلها.

يترتب على ذلك أن الميزانية العامة ليست مجرد وثيقة لتجميع الأرصدة المالية الصافية الناتجة عن خصم المصاريف من المداخيل وتسجيل الباقي بل هي وثيقة تسجل جميع موارد الدولة وتقيّد جميع نفقاتها دون إجراء أي خصم بينها وهذا يضمن الوضوح الكامل لكل من مصادر الأموال وأوجه إنفاقها.

2-قاعدة عدم التخصيص:

تُعتبر قاعدة عدم التخصيص مكملة لقاعدة عدم المقاصة، وهي منصوص عليها في غالبية التشريعات المالية المقارنة وفي التشريع المالي المغربي، حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 8 من القانون التنظيمي للمالية على أن:"مجموع المداخيل يُرصد لتنفيذ مجموع النفقات".

هذا المبدأ يستوجب إدراج جميع الدخول وتسجيل كل النفقات في إطار الميزانية العامة دون تخصيص بينها.

بمعنى أن كتلة الدخول بأكملها يجب أن تُستخدم في تمويل جميع النفقات وبعبارة أخرى، لا يمكن تخصيص مدخول محدد لتغطية نفقة خاصة؛ فجميع المداخيل، بلا تمييز، موجهة لتغطية مجموع النفقات المسجلة في الميزانية.

على سبيل المثال، تمنع هذه القاعدة التخصيص المباشر لدخل معين لتمويل نفقة معينة فحين يتم استخلاص الضرائب، فإن محصولها لا يُخصص لتمويل نفقة بعينها.

فلا يجوز مثلاً تخصيص حصيلة رسوم السيارات لتغطية نفقات إنشاء وترميم الطرق، أو تخصيص حصيلة الرسوم على السجائر لتمويل نفقات مكافحة التدخين، أو تخصيص الرسوم القضائية لسد نفقات المحاكم.

إن الترخيص البرلماني يعني استخلاص كل المداخيل التي صدر الإذن بتحصيلها، بغض النظر عن طبيعتها أو حجمها، وتحويلها إلى أبواب المداخيل بالميزانية العامة، ثم توظيفها بعد ذلك في تمويل مختلف أوجه الإنفاق العمومي دون السماح بتخصيص مورد لنفقة ما.

وعلى الرغم من ورود الموارد مصنفة ومقسمة إلى العديد من الأصناف، فإن هذه التصنيفات لا تعني السماح بتخصيص تلك المداخيل لنفقات محددة أو للمرافق المشرفة على تحصيلها. فالمداخيل تفقد خصوصيتها بمجرد دخولها إلى الخزينة العامة، وتصبح موجهة لتمويل جميع التكاليف العمومية بشكل عام.

رابعا: استثناءات مبدأ العمومية في الميزانية:

على الرغم من أهمية مبدأ العمومية في ضمان شفافية وفعالية إدارة الميزانية العامة، إلا أن هناك بعض الاستثناءات التي ترد عليه، وهي حالات خاصة يُسمح فيها بتخصيص بعض الموارد لأغراض محددة، على عكس القاعدة العامة التي تقتضي دمج جميع الإيرادات والنفقات وهذه الاستثناءات غالبًا ما تكون مبررة بضرورات عملية أو اتفاقيات خاصة.

1-أموال الهبات والوصايا والمساعدات:

تُعد أموال الهبات والوصايا والمساعدات التي تتلقاها الدولة من الأفراد أو المنظمات أو الدول الأخرى استثناءً بارزًا لقاعدة عدم تخصيص المداخيل.

فالمادة 34 من القانون التنظيمي للمالية تنص على أنه: "يجب أن تكون عمليات رصد أموال المساعدة وإجراءات استعمالها يجب أن تكون مطابقة لما هو متفق عليه مع الطرف الدافع أو الواهب".

هذا يعني أن هذه الأموال تخصص بشكل أساسي لتمويل وإنجاز المشاريع أو الأغراض التي مُنحت من أجلها تحديدا والهدف من هذا الاستثناء هو تشجيع الأفراد والجهات على تقديم هذه الأموال، وذلك بضمان أن تُرصد وتُستخدم وفقًا لرغباتهم والأهداف المتفق عليها، مما يطمئن الجهات المانحة بأن مساهماتها ستوجه للغرض المقصود.

2-ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بطريقة مستقلة:

تشكل ميزانيات مرافق الدولة التي تُدار بطريقة مستقلة (أو ما يُعرف بالمؤسسات العمومية ذات الاستقلال المالي) استثناءً آخر لقاعدة عدم التخصيص.

هذه المرافق وبحكم طبيعة عملها، يمكنها تغطية جزء من نفقاتها من مواردها الذاتية دون أن تُقتطع هذه النفقات من الاعتمادات المقيدة في الميزانية العامة للدولة.

في هذه الحالات، تُخصص الموارد التي تم الحصول عليها من الأنشطة الخاصة بهذه المرافق بشكل مباشر لتمويل نفقات نفس المرافق.

وهذا الاستثناء يسمح لهذه الجهات بمرونة أكبر في إدارة مواردها المالية، نظرا لطبيعة خدماتها التي غالبا ما تتطلب استقلالًا ماليًا لضمان كفاءة الأداء.

3-الحسابات الخصوصية للخزينة:

تُعد الحسابات الخصوصية للخزينة من أبرز استثناءات مبدأ العمومية وهذه الحسابات تُدار خارج إطار الميزانية العامة وميزانيات مرافق الدولة المسيرة بطريقة مستقلة والهدف منها هو تمويل بعض العمليات المؤقتة وغير الفعلية بموارد تُخصص لها بشكل مباشر.

تشكل هذه الحسابات استثناءًا واضحًا لقاعدة عدم التخصيص، لأنها تقوم على تخصيص موارد معينة لتغطية نفقات محددة ومباشرة، على عكس المبدأ العام الذي يدمج جميع الإيرادات لتغطية جميع النفقات.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحسابات لا تخضع لنفس درجة الرقابة المالية التي تخضع لها الميزانية العامة، مما يثير بعض النقاش حول مدى الشفافية في إدارتها.

لتحميل الموضوع الورجوا الضغط هنا رابط التحميل .

----------------------------

لائحة المراجع:

-مدخل لدراسة قانون الميزانية، للأستاذ المصطفى معمر.
-النظام القانوني لميزانية الدولة للأستاذ امحمد قزيبر.
-القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13.
-محاضرات في قانون الميزانية للأستاذ أحمد حسون.
-المالية العامة للأستاذ رشيد المساوي.

تعليقات