النظام شبه الرئاسي: مفهومه، خصائصه، وتطبيقاته ( النظام الفرنسي نمودجا):

لتحميل هذا الموضوع سوف تجدون الرابط أسفل المقال.

مقدمة:

يتفرد النظام شبه الرئاسي بموقعه المميز بين النظامين الرئاسي والبرلماني، جامعًا بين سمات كل منهما. يجسد هذا النظام توازنًا فريدًا في توزيع السلطات، حيث يتقاسم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الصلاحيات السياسية والإدارية.

يعتبر النظام السياسي الفرنسي نموذجًا بارزًا لهذا الترتيب الدستوري، الذي شهد تطورات تاريخية أدت إلى ترسيخ مكانة رئيس الجمهورية المنتخب شعبيًا، مع الحفاظ على مسؤولية الحكومة أمام البرلمان.

يهدف هذا الموضوع إلى استعراض خصائص النظام شبه الرئاسي، وتحليل آليات عمل المؤسسات السياسية في ظل هذا النظام، مع التركيز على التجربة الفرنسية، وتقييم أبرز مزاياه وعيوبه.

المحور الأول: ماهية النظام شبه الرئاسي وتطوره:

يُعرف النظام شبه الرئاسي، أو النظام الرئاسي البرلماني، بأنه نظام يجمع بين سمات النظامين الرئاسي والبرلماني. يتميز هذا النظام بوجود رئيس جمهورية يُنتخب مباشرة من قبل الشعب، مما يمنحه شرعية شعبية قوية وصلاحيات واسعة.

وفي الوقت نفسه، توجد حكومة يقودها رئيس وزراء، تكون مسؤولة أمام البرلمان ويمكن سحب الثقة منها.

تختلف آليات توزيع السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء من بلد لآخر ضمن الأنظمة شبه الرئاسية. فبينما يتميز النظام الرئاسي بالفصل الصارم بين السلطات وتركيز السلطة التنفيذية في يد الرئيس، فإن النظام شبه الرئاسي يسمح بقدر من التعاون والتداخل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

نشأة النظام شبه الرئاسي الفرنسي:

تعود جذور فكرة الفصل بين السلطات إلى الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو (1689-1755)، الذي استلهمها من أفكار جون لوك (1632-1704). رأى مونتسكيو أن تداخل السلطات قد يؤثر سلبًا على النظام الديمقراطي، محذرًا من تواطؤ محتمل بين البرلمان والحكومة وهيمنة الحكومة على البرلمان في بعض الحالات.

بعد تجارب مريرة مع النظام الرئاسي في أوروبا وأمريكا اللاتينية، والتي غالبًا ما أدت إلى أزمات سياسية وانقلابات عسكرية، اتجهت العديد من الدول إلى اعتماد النظام المختلط أو شبه الرئاسي.

ففي فرنسا، على سبيل المثال، أدى الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل دستور 1848 (الذي أقر النظام الرئاسي) إلى انقلاب لويس نابليون بونابارت عام 1851.

كان تأسيس الجمهورية الفرنسية الخامسة عام 1958 على يد الرئيس شارل ديغول نقطة تحول حاسمة نحو النظام شبه الرئاسي.

وضع ديغول دستورًا جديدًا عُرض على الاستفتاء الشعبي في سبتمبر 1958 وتمت الموافقة عليه. وتجدر الإشارة إلى أن الثورة الجزائرية لعبت دورًا مهمًا في سقوط الجمهورية الرابعة وقيام الجمهورية الخامسة، حيث رأى ديغول أن نظام الأحزاب هو السبب في فشل الدولة، مما استدعى إصلاح المؤسسات.

أقر دستور 1958 نظامًا برلمانيًا عقلانيًا يسيطر فيه الجهاز التنفيذي، وخوّل للرئيس سلطات واسعة، مما جعل النظام الفرنسي يقترب من النظام الرئاسي، ومن هنا جاءت تسميته بالنظام شبه الرئاسي.

بعد ذلك، اعتمدت دول مثل فنلندا، أيرلندا، النمسا، والبرتغال هذا النظام المختلط، بالإضافة إلى معظم دول أوروبا الشرقية بعد سقوط المعسكر الشرقي عام 1990، والعديد من الدول الأفريقية.

المحور الثاني: المؤسسات السياسية في النظام شبه الرئاسي الفرنسي:

يتميز النظام شبه الرئاسي بوجود ازدواجية في الجهاز التنفيذي، حيث يتكون من رئيس الجمهورية والحكومة ورئيسها. كما يتكون الجهاز التشريعي (البرلمان) في ظل الجمهورية الخامسة من مجلسين: الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ.

أولاً: رئيس الجمهورية:

كان رئيس الجمهورية في الجمهورية الفرنسية الرابعة يُختار من قبل البرلمان بمجلسيه. لكن بموجب دستور 1958 وتعديلاته عام 1962، أصبح يُنتخب مباشرة من قبل الشعب، مما عزز مصداقيته ومكانته في المؤسسات الدستورية.

1. انتخاب رئيس الجمهورية:

قبل عام 1962، كان الرئيس يُنتخب من قبل هيئة انتخابية خاصة. بعد عام 1962، أصبح رئيس الجمهورية يُنتخب بالاقتراع العام المباشر في جولتين، لولاية مدتها خمس سنوات قابلة للتجديد، مما عزز من سلطته وشرعيته.

2. صلاحيات رئيس الجمهورية:

تُحدد صلاحيات رئيس الجمهورية في دستور 1958. باعتباره المسؤول الأول عن الجمهورية، يتمتع الرئيس بسلطات واسعة وحقل عمل شاسع، ويُعتبر "العمود الفقري" في الدستور.

الصلاحيات الحصرية (مجالات السيادة):

-السياسة الخارجية والدفاع: يحتكر الرئيس صلاحيات تعيين السفراء، التفاوض وإبرام المعاهدات، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومسؤول عن اتخاذ القرارات المتعلقة بالردع النووي.

-ضمان سير الدولة: يسهر على احترام الدستور، ويضمن السير العادي للمؤسسات والسلطات العامة واستمرارية الدولة وقوتها، وهو الضامن للاستقلال الوطني ووحدة وسلامة الأراضي.

-صلاحيات الطوارئ: يتخذ الإجراءات الواجبة في حال واجهت البلاد مخاطر كبرى وآنيّة (المادة 16 من الدستور الفرنسي).

-تعيين الحكومة: يعين رئيس الوزراء وينهي مهامه عند تقديم استقالة حكومته، ويعين أعضاء الحكومة الآخرين بناءً على اقتراح رئيس الوزراء ويضع حدًا لمهامهم.

-رئاسة مجلس الوزراء: يرأس مجلس الوزراء ويوقع المذكرات والمراسيم.

-الاستفتاء: يخول له القانون طرح بعض مشاريع القوانين في استفتاء شعبي.

-نشر القوانين: له سلطة نشر القوانين.

-حل الجمعية الوطنية: هو المخول بحل الجمعية الوطنية والدعوة لانتخابات جديدة خلال مدة لا تقل عن عشرين يومًا. هذه السلطة تقديرية للرئيس ولا يتقاسمها معه أي جهة.

-دعوة البرلمان لدورة استثنائية.

-مراجعة الدستور: تعود له المبادرة في مراجعة الدستور وهي صلاحية يتقاسمها مع البرلمان.

-السلطة القضائية: يضمن استقلال السلطة القضائية ويرأس المجلس الأعلى للقضاء كما يتمتع بحق إصدار العفو.

-الحصانة: يتمتع بحصانة مؤقتة خلال ولايته وهو غير مسؤول عن تصرفات وقعت ضمن ممارسة مهامه (المسؤولية الجنائية فقط أمام المحكمة العليا في حالة الخيانة العظمى).

صلاحيات الرئيس التي يمارسها مع الحكومة (الاختصاصات المشتركة):

-طلب إعادة النظر في القوانين: من حق الرئيس، في أجل 15 يومًا من إقرار قانون، أن يطلب من البرلمان إعادة النظر فيه.

-دعوة البرلمان للانعقاد خارج دوراته العادية.

-إقالة أعضاء الحكومة: لا تتم إلا بتوقيع مشترك بين الرئيس ورئيس الوزراء (إلا في حالة تقديم رئيس الوزراء لاستقالته).

-الوظائف العسكرية: يتم التعيين في بعض الوظائف العسكرية بمرسوم جمهوري، بينما يتم تفويض تعيين فئة أخرى لرئيس الوزراء.

-توقيع المراسيم واللوائح: يوقع المراسيم واللوائح التي يتداولها مجلس الوزراء، ومن حقه رفض التوقيع على أي نص تنظيمي.

-تعيين السفراء وإبرام المواثيق الدولية: باستثناء تلك التي تحمل خزينة الدولة مبالغ هامة أو تقتضي التنازل عن جزء من التراب الوطني، فلا تتم إلا بموجب قانون.

ثانيًا: الحكومة:

تحدد الحكومة السياسة العامة للدولة وتديرها، وتكون مسؤولة أمام البرلمان وأمام رئيس الجمهورية.

يسند للوزير الأول مهمة إدارة شؤون الحكومة، وهو المسؤول عن الدفاع الوطني والضامن لتنفيذ القوانين، ويصدر اللوائح التنظيمية، ويعين الموظفين في الوظائف المدنية والعسكرية، ويفوض بعض اختصاصاته للوزراء.

تتكون الحكومة من الوزير الأول والوزراء الذين يعملون على توجيه السياسة الوطنية وتحقيق أهدافها الاجتماعية والاقتصادية ومصلحة الأمة. لا يجوز في النظام الفرنسي الجمع بين عضوية الحكومة والبرلمان، أو أي تمثيل مهني، أو أي وظيفة عمومية أخرى، أو ممارسة نشاط مهني، بهدف تحقيق نوع من الاستقرار الوزاري وفصل السلطات. الحكومة في النظام الفرنسي وحدة متجانسة ومتضامنة.

اجتماعات الحكومة:

-مجلس وزاري: يرأسه رئيس الجمهورية.

-مجلس حكومة: يرأسه رئيس الوزراء.

-مجلس الوزراء: حين يجتمعون لحل مشكلة من مشكلاتهم.

اختصاصات الحكومة:

-تضع تصورات شاملة للتوجهات العامة في كافة المجالات، وتدير الدفاع الوطني ومختلف المرافق العمومية.

-تساهم في صياغة القوانين عن طريق اقتراح مشاريع القوانين وتساهم في وضع جدول أعمال المجلسين (مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية).

-تقترح على الرئيس إجراء استفتاء شعبي على أمر اقتصادي أو اجتماعي.

-يمكنها إعلان الحرب بعد مصادقة البرلمان.

-يمكنها إعلان حالة الطوارئ وتطبيق الأحكام العرفية في حالات الأزمات الدولية أو الاضطرابات الداخلية، حيث تنتقل السلطة مباشرة إلى السلطة العسكرية، ولا يمكن تمديد هذه الفترة لأكثر من 12 يومًا إلا بموافقة البرلمان.

-تمارس الصلاحيات التنظيمية عن طريق مراسيم تصدر عن مجلس الوزراء وتحمل توقيعاتهم بمن فيهم رئيس الوزراء.

اختصاصات رئيس الوزراء:

وفقًا للمادة 21 من الدستور الفرنسي، يتولى الوزير الأول قيادة العمل الحكومي وهو مسؤول عن الدفاع ويتولى ضمان تنفيذ القوانين، كما يمارس السلطة التنظيمية ويقوم بالتعيين في الوظائف المدنية والعسكرية.

كما يساعد رئيس الجمهورية في رئاسة المجلس واللجان المحددة في المادة 15، وفي رئاسة اجتماعات مجلس الوزراء بتفويض صريح ولجدول أعمال محدد.

يقوم الوزير الأول بما يلي على وجه الخصوص:

-توجيه التعليمات للوزراء وتنسيق أعمالهم (إعداد المشاريع، تنفيذ البرامج، تنسيق الأنشطة).

-رئاسة الدفاع (بالتكامل مع الرئيس).

-تنفيذ القوانين (فالرئيس يوقع القوانين والمراسيم، بينما يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية فيما عدا ذلك).

-التعيينات في الوظائف العسكرية والمدنية (ما يتم داخل مجلس الوزراء يكون للرئيس، وما سواه يتولاه الوزير الأول).

-مساعدة رئيس الجمهورية في رئاسة اللجان الدفاعية.

-رئاسة مجلس الوزراء إذا تعذر ذلك على رئيس الجمهورية (بشرط التفويض ووجود جدول أعمال محدد).

ولدعم عمله، توجد تحت تصرف الوزير الأول عدة وسائل:

اللجان الحكومية: تضم عددًا محدودًا من الوزراء لدراسة السياسة الحكومية قيد التنفيذ (دائمة ومؤقتة).

ديوان رئيس الحكومة: يضم أقرب مساعديه والأمانة العامة للحكومة.

اللجان المتخصصة: أجهزة ووسائل تساعده على أداء مهامه.

يمارس الوزير الأول السلطة التنظيمية عن طريق إصدار المراسيم، ويقترح على رئيس الجمهورية إقالة أو تعيين أحد أعضاء الحكومة، ويقدم مشاريع القوانين إلى البرلمان باسم الحكومة، وله الحق وحده في طرح الثقة أمام الجمعية الوطنية ويتولى عرض دستورية القوانين أمام المحكمة الدستورية.

ثالثًا: البرلمان:

في النظام الفرنسي، تختلف القيمة القانونية لكل من السلطة التنفيذية والتشريعية. القانون هو أسمى تعبير عن الإرادة العامة، ولا يمكن تعديله أو إلغاؤه إلا بنص تشريعي مساوٍ له في القوة. لكن مع دستور 1958، حدث تراجع في سمو القانون، حيث أصبحت الحكومة ذات ولاية على كثير من المجالات التي كانت من اختصاصات البرلمان، مما أدى إلى تقلص دور البرلمان وهيمنته الدستورية.

يتكون البرلمان في ظل الجمهورية الخامسة من مجلسين:

-الجمعية الوطنية: تُنتخب بالاقتراع المباشر.

-مجلس الشيوخ: يُنتخب بالاقتراع العام غير المباشر.

1. اختصاصات البرلمان الفرنسي:

يتمتع البرلمان الفرنسي باختصاصات واسعة وفعالة، خاصة في المجالين التشريعي والمالي.

الاختصاص التشريعي:

حددت المادة 34 من الدستور الفرنسي على سبيل الحصر الاختصاصات التشريعية للبرلمان. كل ما يخرج عن نطاق هذه المادة يدخل في مجال التنظيم الذي يمارسه رئيس الجمهورية أو الوزير الأول. يختص البرلمان بالتشريع المتعلق بالقواعد الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية وضماناتها، ووضع القواعد المتعلقة بالانتخابات والمؤسسات العمومية.

الاختصاص الرقابي:

تتمتع البرلمانات باختصاصات واسعة في مجال الرقابة، وتعتبر ذات أهمية قصوى لضمان الشفافية والمساءلة. ومن وسائل المراقبة:

-العرائض المقدمة من المواطنين.

-الأسئلة المقدمة من النواب (كتابية أو شفوية مع مناقشة).

-التصريحات والإعلانات الحكومية في الجلسات (ملزمة للجمعية الوطنية).

2. مجلسي البرلمان:

أ-الجمعية الوطنية:

الغرفة الأولى للبرلمان، يُنتخب أعضاؤها على دورتين، ويمثلون فرنسا والمقاطعات والمجتمعات الفرنسية بالخارج. تتكون من 577 نائبًا يُنتخبون بالاقتراع العام المباشر لمدة خمسة أعوام قابلة للتجديد، إلا في حالة حل البرلمان.

من بين اختصاصات الجمعية الوطنية:

-الحقوق الوطنية للمواطنين والواجبات المفروضة عليهم.

-تحديد الجنح والمخالفات والعقوبات المقررة لها والعفو.

-الضرائب وطرق تحصيلها.

-إنشاء المؤسسات العامة.

-تأميم المشاريع ونقل الملكية من العام للخاص.

-التعليم.

-التنظيم العام للدفاع الوطني.

-نظام الملكية والحقوق العينية.

-الاستقلال الإداري والمالي للجماعات المحلية.

-القانون المالي وتحديد الموارد والمصاريف العامة للدولة.

ب-مجلس الشيوخ:

يُنتخب بالاقتراع غير المباشر، وينتج عنه تمثيلية للمجالس البلدية والغرف المهنية والمقيمين بالخارج. يُنتخب لمدة 3 سنوات مع تجديد جزئي كل ثلاث سنوات، وهو غير قابل للحل. يجتمع البرلمان بغرفتيه في دورتين عاديتين كل سنة (أكتوبر وأبريل)، ويمكن الانعقاد في دورة غير عادية بناءً على طلب من الوزير الأول أو بطلب من أغلبية الجمعية الوطنية.

3. الضمانات البرلمانية:

عمل دستور 1958 على تأكيد قوة قواعد عديدة منها عدم إمكانية الجمع بين عضوية البرلمان والحكومة والوظائف العمومية الأخرى، لضمان استقلالية البرلماني في مواجهة الأجهزة الإدارية.

كما تم تنظيم قواعد المسؤولية البرلمانية لحماية البرلماني من التهديدات، فلا يجوز اعتقاله أو القبض عليه أو محاكمته بسبب آرائه أو تصويته، وهي حصانة مطلقة طوال عمله النيابي.

4. العلاقة بين الحكومة والبرلمان:

الرئيس والبرلمان:

يملك رئيس الجمهورية حق دعوة البرلمان للانعقاد في دورات غير عادية، وحق حل الجمعية الوطنية بعد التشاور مع رؤساء المجالس. لرئيس السلطة التنفيذية حق الاعتراض على القوانين التي يصدرها البرلمان بموجب المادة 10. يحق للرئيس تجاوز البرلمان ومخاطبة الشعب مباشرة في مسائل التشريع، وبالتالي إصدار قانون دون عرض على البرلمان.

اختيار الحكومة:

يتم اختيار أعضاء الحكومة من قبل رئيس الجمهورية، ولا تستطيع البقاء في الحكم إلا إذا ظلت تحظى بثقة الرئيس. وعلى الرئيس اختيار رئيس الوزراء الذي تتقبله الأغلبية البرلمانية.

التعاون والرقابة:

يتابع الجهاز التشريعي أعمال الحكومة ويراقبها للحصول على الإيضاحات والشروحات الأساسية لطرق تسيير وإدارة الشؤون العامة، عبر التصريحات أو الإعلانات الحكومية أو الأسئلة المطروحة في البرلمان.

5. مسؤولية الحكومة أمام البرلمان:

تُعد مسؤولية الحكومة أمام البرلمان منظمة وفق دستور 1958 عن طريق طلب الثقة أو الاقتراح بتوجيه اللوم للحكومة.

طلب الثقة:

يقوم الوزير الأول بتحريكه أمام الجمعية الوطنية بعد المداولة في مجلس الوزراء، عندما يتعلق الأمر بعرض برنامج الحكومة أو تقديم بيان الحكومة عن السياسة العامة، أو الاقتراع على نص. عدم موافقة الجمعية الوطنية على البرنامج الحكومي أو بيان السياسة العامة يعني أن الوزير الأول مجبر على وضع استقالته بين يدي رئيس الجمهورية.

توجيه اللوم للحكومة:

غير ممكن إلا بتوفر 4 شروط: توقيع الاقتراح من 1/10 من أعضاء الجمعية الوطنية على الأقل، وأن يتم الاقتراع خلال 48 ساعة من تاريخ إيداعه، ولا تحسب الأصوات المؤدية للاقتراح بلوم الحكومة إذا رفض الاقتراح فلا يمكن لموقعيه تقديم اقتراح جديد خلال نفس الدورة التشريعية باستثناء طرح الثقة.

رابعًا: السلطة القضائية:

تعتبر التجربة القضائية الفرنسية من أنجح التجارب وأقربها إلى تطبيق القانون، حيث تتسم بالاستقلالية التامة والحرص الكبير على أداء الدور المنوط بها. نصت المادة 66 من الدستور الفرنسي على أن "السلطة القضائية، حارسة الحرية الفردية".

تُنظم السلطة القضائية وفقًا لتمييز أساسي بين:

-المحاكم القضائية: المكلفة بتسوية النزاعات بين الأفراد.

-المحاكم الإدارية: للبت في النزاعات بين المواطنين والسلطات العامة.

يمارس السلطة القضائية قضاة مستقلون يتمتعون بالحماية القانونية اللازمة، وتعتبر الأحكام القضائية النهائية أوامر تنفيذية صارمة. يتميز القضاء الفرنسي بثلاثة أنواع: القضاء المدني، القضاء الجنائي، والقضاء الإداري. ولم يعد هناك وجود للقضاء العسكري في فرنسا.

تتشكل الهيئات القضائية العليا من:

-مجلس شورى الدولة: قمة المحاكم الإدارية، وأعلى هيئة قضائية للفصل نهائيًا في قانونية الإجراءات الإدارية، كما يمثل هيئة استشارية للحكومة فيما يتعلق بمشاريع القوانين والمراسيم.

-محكمة النقض: أعلى هيئة قضائية، مكلفة بالنظر في الطعون المقدمة ضد الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف.

-ديوان المحاسبة.

-(وهناك من يضيف المجلس الدستوري).

أنواع المحاكم المدنية:

محاكم الحق العام: المحكمة الابتدائية، والمحكمة التجارية، ومحكمة قضايا الضمان الاجتماعي، ومجلس قضاة للحكم في الشؤون العمالية.

المحاكم الجزائية: تختص بالجرائم بمستوياتها الثلاثة: المخالفات (محكمة الشرطة)، الجنح (محكمة الجنح)، الجرائم (محكمة الجنايات).

محكمة الأطفال: محكمة خاصة تبت في النزاعات المدنية والجزائية على حد سواء.

المحور الثالث: تقدير النظام شبه الرئاسي (المزايا والعيوب):

أولا: مزايا النظام شبه الرئاسي:

1-مرونة اتخاذ القرارات:

من حق الحكومة إصدار قرارات لها فاعلية القوانين بشرط موافقة رئيس الجمهورية، وحقها في اقتراح القضايا التي يجب مناقشتها في مجلس الشعب، مع إمكانية اشتراط كيفية المناقشة أو التصويت.

2-التوازن بين السلطات:

يمنح النظام رئيس الجمهورية حق حل مجلس الشعب والمطالبة بانتخابات جديدة للمجلس (بشرط عدم إساءة استخدام هذا الحق)، بينما يمكن للجمعية الوطنية فصل رئيس الوزراء أو أي وزير آخر عن طريق سحب الثقة منهم.

3-صلاحيات استثنائية للرئيس:

لرئيس الجمهورية الحق في فرض قانون الطوارئ والحق في استفتاء الشعب في قضايا يراها هامة، ونتائج هذا الاستفتاء لها قوة القانون.

4-المرجعية الدستورية:

المرجعية الدستورية في هذا النظام في يد مجلس دستوري، وتختلف كيفية اختيار أعضائه من دولة لأخرى. في فرنسا، يتكون المجلس الدستوري من تسعة أعضاء يختارهم رئيس الجمهورية (ثلاثة)، رئيس مجلس الشعب (ثلاثة)، ورئيس مجلس الشيوخ (ثلاثة) لمدة تسع سنوات.

ثانيا: عيوب النظام شبه الرئاسي:

1-مشكلة التعايش المزدوج:

المشكلة الأساسية التي تواجه هذا النظام هي عندما تتصادم مصالح رئيس الجمهورية مع مصالح رئيس مجلس الوزراء الذي يمثل مصالح البرلمان. هذه المشكلة عُرفت في السياسة الفرنسية بـ "مشكلة التعايش المزدوج"، وهي الحالة التي يتم فيها اختيار رئيس الجمهورية من اتجاه فكري مناقض للاتجاه الذي يمثله رئيس الوزراء، كما حدث بين الرئيس الفرنسي السابق ميتران (الاشتراكي) والسيد شيراك (اليميني الرأسمالي) عام 1986. يتطلب هذا الوضع تعاونًا وتوحيدًا بين الرئيس ورئيس الوزراء لنجاح الحكومة.

2-إمكانية إساءة استخدام السلطة:

إمكانية قيام رئيس الجمهورية بإساءة استخدام حقه في استفتاء الشعب كما هو سائد اليوم في كثير من الدول ذات النظام شبه الرئاسي.

3-الانحراف نحو الديكتاتورية:

على الرغم من أن هذا النظام حاول التوفيق بين النظامين الرئاسي والبرلماني لتحقيق البرامج الحكومية مع مراعاة رقابة رئيس الجمهورية، إلا أن العديد من هذه الأنظمة تحولت إلى شبه ديكتاتوريات في ظل سلطة الرئيس الفعلية، وكثيرًا ما استُخدم هذا النظام كغطاء للاستبداد والحكم الانفرادي.

خاتمة:

يُظهر التحليل الشامل للنظام شبه الرئاسي، مع التركيز على النموذج الفرنسي، أنه نظام مختلط يسعى إلى تحقيق توازن بين استقرار السلطة التنفيذية وفعالية الرقابة البرلمانية.

فمن جهة، يمنح انتخاب الرئيس بالاقتراع المباشر شرعية قوية وصلاحيات واسعة، خاصة في مجالات السياسة الخارجية والدفاع ومن جهة أخرى، تضمن مسؤولية الحكومة أمام البرلمان مساءلة سياسية مهمة.

ومع ذلك، لا يخلو هذا النظام من تحديات، أبرزها ظاهرة "التعايش المزدوج" التي قد تنشأ عند اختلاف الانتماء السياسي بين الرئيس والأغلبية البرلمانية، مما يتطلب مستوى عاليًا من التوافق والتعاون لضمان سير شؤون الدولة بفاعلية.

كما أن التركيز الكبير للسلطة في يد الرئيس يمكن أن يؤدي في بعض الحالات إلى انحرافات نحو الحكم الفردي، خاصة في الدول التي تفتقر إلى مؤسسات ديمقراطية راسخة وضمانات دستورية قوية.

بشكل عام، يظل النظام شبه الرئاسي خيارًا دستوريًا معقدًا يتطلب فهمًا دقيقًا لآلياته ووعيًا بتحدياته لضمان فعاليته واستقراره.

لتحميل الموضوع المرجوا الضغط هنا رابط التحميل .

------------------------------------------

لائحة المراجع:

-الأنظمة السياسية والدستورية المقارنة للدكتور حسان محمد شفيق.

-الأنظمة السياسية للدكتور صالح جواد والدكتور علي غالب.

-محاضرات في مادة الأنظمة الدستورية للأستاذ حسن لحلوي.

تعليقات