لتحميل هذا الموضوع سوف تجدون الرابط أسفل المقال.
مقدمة:
عندما يتم إبرام عقد البيع وفقًا للشروط المنصوص عليها قانونًا أو المتفق عليها بين الأطراف، وبمجرد استيفائه لعناصر الصحة، فإنه يترتب عليه مجموعة من الآثار القانونية التي تقع على عاتق كل من البائع والمشتري على حد سواء.
وقد خصص المشرع المغربي الباب الثاني من القسم الأول من الكتاب الثاني من قانون الالتزامات والعقود لعرض الآثار المترتبة على عقد البيع، مقسمة إلى ثلاثة فروع: الأول لأثار البيع بوجه عام، والثاني لالتزامات البائع، والثالث لالتزامات المشتري.
المطلب الأول: انتقال ملكية المبيع إلى المشتري:
أشار المشرع من خلال الفصل 478 من قانون الالتزامات والعقود إلى أن "البيع عقد بمقتضاه ينقل أحد المتعاقدين للآخر ملكية شيء أو حق"، وعاد ليؤكد في الفصل 491 أنه "يكتسب المشتري بقوة القانون ملكية الشيء المبيع بمجرد تمام العقد بتراضي طرفيه".
ويأتي توجه المشرع المغربي على عكس توجهات العديد من التشريعات المقارنة التي اعتبرت أن هذا الالتزام يدخل ضمن التزام البائع، مثل القانون المدني المصري، من خلال ما جاء في المادة 428 منه: "يلتزم البائع أن يقوم بما هو ضروري لنقل حق المبيع إلى المشتري، وأن يكف عن أي عمل من شأنه أن يجعل نقل الحق مستحيلًا أو عسيرًا".
الفقرة الأولى: مبدأ انتقال الملكية إلى المشتري بمجرد تمام البيع:
الأصل في التشريع المغربي هو أن ملكية المبيع تنتقل مباشرة بعد تمام البيع، وهذا ما يؤكده الفصل 491 من قانون الالتزامات والعقود: "يكسب المشتري بقوة القانون ملكية الشيء المبيع بمجرد تمام العقد بتراضي طرفيه".
وكذلك طبقًا لمقتضيات الفصل 492 من قانون الالتزامات والعقود: "بمجرد تمام البيع يسوغ للمشتري تفويت الشيء المبيع ولو قبل حصول التسليم، ويسوغ للبائع أن يحيل حقه في الثمن ولو قبل الوفاء، وذلك ما لم يتفق العاقدان على خلافه".
وانطلاقًا من هذا المبدأ، فإن مسألة انتقال الملكية للمشتري ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإبرام عقد البيع، وتتم بمعزل عن البائع.
أولًا: نطاق تطبيق المبدأ المنصوص عليه في الفصل 491 من قانون الالتزامات والعقود:
المقصود بهذا المبدأ هو أن انتقال الملكية يكون فوريًا، فلا يحتاج لتحققه القيام بأي عمل. ومن ثم، لا يهم أن يكون التسليم قد وقع أو لم يحصل بعد، فالمهم بحسب هذا المبدأ هو حصول التعاقد بين البائع والمشتري. ذلك أنه بمجرد إبرام عقد البيع تنتقل ملكية المبيع إلى المشتري، ويخرج من ذمة البائع مع ما يترتب عن ذلك من آثار.
وبخصوص نطاق هذا المبدأ، لم يجمع الفقه على رأي موحد:
-اتجاه يوسع إلى حد ما من نطاق هذا المبدأ، مادام يؤكد على أن مجال تطبيق القاعدة المنصوص عليها في الفصل 491 من قانون الالتزامات والعقود يشمل بيع الأشياء المعينة بالذات إذا كانت مملوكة للبائع.
-اتجاه ثانٍ يرى أن نطاق هذا المبدأ أضيق بكثير مما سار عليه الرأي الأول، ذلك أن الفصل 491 من قانون الالتزامات والعقود لا يشمل كل البيوع الواردة على الأشياء المعينة بالذات، بل يقتصر في الواقع على جزء من هذه البيوع لا غير، وهي البيوع التي يكون موضوعها من المنقولات التي تسري عليها قاعدة "الحيازة في المنقول سند الملكية".
ونؤيد هذا الرأي الأخير، خاصة أن المشرع قد جعل انتقال الملكية في البيوع العقارية متوقفًا على احترام شكلية الكتابة والتسجيل بحسب ما إذا كان العقار محفظًا أو غير محفظ.
وحيث أن العقار هو شيء معين بالذات، فمعنى ذلك أن نطاق تطبيق المبدأ المنصوص عليه في الفصل 491 يقتصر فقط على المنقولات المحددة بالذات. أما المنقولات غير المحددة إلا بالنوع، أو المعلقة على شرط واقف، أو المرهونة بممارسة خيار معين، فإنها لا تطبق عليها هذه القاعدة.
ثانيًا: الاستثناءات الواردة على مبدأ انتقال الملكية:
يرد على هذا المبدأ المنصوص عليه في الفصل 491 عدة استثناءات تحد من تطبيقه لاعتبارات قانونية أو واقعية، حيث أن انتقال الملكية من البائع إلى المشتري قد يتأخر لوقت لاحق، ويستلزم هذا الانتقال احترام شكلية لا يكتمل العقد إلا بوجودها.
1-الحالات التي يتوقف فيها انتقال الملكية من البائع إلى المشتري على احترام بعض الشكليات:
أ=إذا تعلق الأمر ببيع عقار غير محفظ أو حقوق عقارية أو أشياء منقولة يمكن رهنها رهنًا رسميًا، حيث يتعين تدوين البيوع الواردة على هذه الأشياء والحقوق كتابة في محرر ثابت التاريخ.
ولا يكون لذلك أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون طبقًا للفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود.
ب=إذا تعلق الأمر بالبيع الوارد على العقار المحفظ، فإنه بالإضافة إلى احترام شكلية الكتابة، يتعين تسجيله في السجل العقاري وفقًا لما هو منصوص عليه في المواد 66 و 67 من ظهير التحفيظ العقاري.
حيث جاء في الفصل 66: "كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتقييده...".
وينص الفصل 67 على أنه: "الأفعال الإرادية والاتفاقات التعاقدية الرامية إلى تأسيس حق عيني أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه، لا تنتج أي أثر ولو بين الأطراف إلا من تاريخ التقييد بالرسم العقاري...".
وهكذا يتبين لنا أن البيوع العقارية تستلزم احترام بعض الشكليات القانونية كالكتابة أو القيد في السجلات العقارية.
ت-حالات تأخر الانتقال بسبب نص القانون: هناك العديد من الحالات التي قرر فيها المشرع بأن ملكية المبيع لا تنتقل للمشتري إلا بتحقق السبب الموجب لهذا الانتقال، من ذلك مثلًا:
-الحالة المنصوص عليها في الفصل 497 من قانون الالتزامات والعقود التي مفادها أن بيع الثمار ومنتجات البساتين والمحصولات قبل جنيها لا يترتب عنها نقل الملكية ما لم يتم نضجها.
-بيع العقار في طور الإنجاز وفقًا للقانون 44.00.
ج-حالات تأخر انتقال الملكية بمقتضى الاتفاق: يمكن للأطراف في إطار مبدأ سلطان الإرادة الاتفاق على تأخير نقل الملكية للمشتري لاعتبارات موضوعية أو شخصية، وهذا ما يتحقق بالنسبة لبيوع الخيار والبيوع المعلقة على شرط واقف.
الفقرة الثانية: النتائج المترتبة عن انتقال الملكية بمجرد إبرام البيع:
يمكن إجمال النتائج فيما يلي:
1-يسوغ للمشتري باعتباره مالكًا أن يتصرف في المبيع مباشرة بعد إبرام العقد بجميع التصرفات، ولو لم يتم التسليم. فله أن يعيد بيعه، أو أن يرهنه، أو أن يرتب عليه أي حق عيني آخر لمصلحة الغير.
وبالمقابل، فإن البائع بدوره يستطيع أن يحيل حقه في الثمن ولو قبل تمام الوفاء به. ولا يستثنى من ذلك سوى البيوع الواردة على المواد الغذائية إذا انعقدت بين المسلمين، حيث يشترط فيها التسليم.
وفي ذلك ينص الفصل 492 من قانون الالتزامات والعقود على أنه: "بمجرد تمام البيع يسوغ للمشتري تفويت الشيء المبيع ولو قبل حصول التسليم، ويسوغ للبائع أن يحيل حقه في الثمن ولو قبل الوفاء وذلك ما لم يتفق العاقدان على خلافه، ولا يعمل بهذا الحكم في بيوع المواد الغذائية المنعقدة بين المسلمين".
2-لا يقتصر أثر انتقال الملكية على طرفي العلاقة التعاقدية فقط، بل يمتد أيضًا إلى ورثتهما. فلا حق لورثة البائع في الشيء المبيع، ولو ظل هذا الأخير في حيازة المورث حين وفاته، ولا يملك دائنوه أن ينفذوا عليه، والعكس صحيح.
فإذا أفلس البائع فإن المبيع لا يدخل في تفليسته بالنسبة لورثة المشتري أو دائنيه، ولو لم يتم التسليم.
3-يتحمل المشتري بمجرد انعقاد البيع كل تكاليف المبيع، ويدخل في ذلك مصروفات حفظه وصيانته وما يقتضيه جني ثماره، وكل الضرائب والرسوم التي قد تفرض عليه، وذلك وفقًا لمقتضيات الفصل 493 من قانون الالتزامات والعقود. ويستفيد بالمقابل من الثمار والغلال والفوائد التي ينتجها الشيء المبيع.
4-بمقتضى الفقرة الأخيرة من الفصل 493، يتحمل المشتري بمجرد تمام البيع تبعة هلاك المبيع ولو قبل حصول التسليم، ما لم يتفق على غير ذلك.
وبذلك يكون القانون المغربي قد أخذ بمبدأ "العين تهلك على يد مالكها"، خلافًا للاتجاهات التشريعية الحديثة التي تقر بأن العين تهلك على يد الحائز لا على المالك، تفاديًا للمخاطر المترتبة عن المبدأ الأول القاضي بتحمل المشتري مسؤولية هلاك شيء لم يدخل بعد في حيازته.
وهذا الأثر الأخير ترد عليه مجموعة من الاستثناءات، يرجع بعضها إلى إرادة الأطراف، حيث أن بإمكانهم أن يتفقوا على تحميل البائع مسؤولية هلاك المبيع قبل التسليم.
ويرجع بعضها الآخر إلى الطبيعة الخاصة ببعض البيوع، ومن ذلك مثلًا البيع بشرط التجربة أو المذاق، وحالة التزام البائع بمقتضى العقد بأن ينقل المبيع إلى المشتري.
المطلب الثاني: التزامات البائع:
ينص الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود على أنه: "يتحمل البائع بالتزامين أساسيين:
1-الالتزام بتسليم الشيء المبيع؛
2-الالتزام بضمانه".
من خلال هذا الفصل، يتبين أن المشرع حدد التزامات البائع في التزامين أساسيين: الالتزام بالتسليم والالتزام بالضمان.
الفقرة الأولى: التزام البائع بالتسليم:
يعتبر هذا الالتزام هو الأهم، على اعتبار أنه مدار عقد البيع، فهو الغاية التي يبتغيها المشتري من إبرامه لهذا العقد.
أولًا: مضمون التسليم:
ذهب الفقه إلى تعريف التسليم بأنه ذلك الإجراء الذي يقصد به تمكين المشتري من المبيع، بحيث يستطيع أن يباشر عليه سلطاته كاملة دون أن يمنعه من ذلك أي عائق.
المشرع المغربي بدوره حدد المقصود بالتسليم في الفصل 499 من قانون الالتزامات والعقود حيث نص: "يتم التسليم حين يتخلى البائع أو نائبه عن الشيء المبيع ويضعه تحت تصرف المشتري بحيث يستطيع هذا حيازته بدون عائق".
ثانيًا: طرق التسليم:
بالرجوع إلى الفصلين 500 و 501 من قانون الالتزامات والعقود نجدهما حددتا طرق التسليم، حيث نص الفصل 500 على أنه "يتم التسليم بطرق مختلفة:
1-تسلم العقارات بتخلي البائع عنها، وبتسليم مفاتيحها إذا كانت من المباني، بشرط ألا يكون ثمة عائق يمنع المشتري من وضع اليد عليها؛
2-تسلم الأشياء المنقولة بمناولتها من يد إلى يد أو بتسليم مفاتيح العمارة أو الصندوق الموضوعة فيه، أو بأي وجه آخر جرى به العرف؛
3-يتم التسليم ولو بمجرد رضى الطرفين، إذا كان سحب المبيع من يد البائع غير ممكن وقت البيع، أو كان المبيع موجودًا من قبل في يد المشتري على وجه آخر؛
4-إذا كان المبيع عند البيع موجودًا في مستودع عام، فإن حوالة أو مناولة شهادة إيداعه أو تذكرة شحنه أو نقله تكون بمثابة تسليمه".
وينص الفصل 500 على أنه: "يتم تسليم الحقوق المعنوية، كحق المرور مثلًا، إما بتسليم السندات التي تثبت وجودها، أو بالاستعمال الذي يباشره المشتري لها برضى البائع، وإذا اقتضى استعمال الحقوق المعنوية حيازة شيء معين، وجب على البائع أن يمكن المشتري من وضع اليد عليه بدون عائق".
من خلال هذين الفصلين، يتبين أن المشرع ميز بين ثلاثة أنواع من التسليم وذلك بحسب طبيعة الأشياء المراد تسليمها، وهي كالتالي:
1-تسليم العقارات:
من خلال الفقرة الأولى من الفصل 499، يتبين أن تسليم العقارات يتم عن طريق تخلي البائع عنها، وبتسليم مفاتيحها إذا كانت من المباني وكل ذلك شريطة ألا يكون ثمة عائق يمنع المشتري من وضع اليد عليها.
2-تسليم المنقولات:
من خلال الفقرة الثانية يتم التسليم في المنقولات بمناولتها من يد إلى يد أو بتسليم مفاتيح العمارة أو الصندوق الموضوعة فيه، أو بأي وجه جرى به العرف ذلك أن هذا النوع من التسليم هو الذي يقتضي تحقق التخلي المادي من البائع عن الشيء المبيع ودخوله في حيازة المشتري.
كما قد يكون التسليم معنويًا وهو الذي تنقل فيه الحيازة حكميًا أو افتراضيًا، وعندما يتعلق الأمر بالمنقولات فقد مثل المشرع لذلك بحالتين وهما:
-يكون تسليم المبيع تسليمًا رمزيًا بمجرد رضى الطرفين، إذا كان سحب المبيع من يد البائع غير ممكن وقت البيع، أو كان المبيع موجودًا من قبل في يد المشتري على وجه آخر.
-يكون بمثابة تسليم حكمي أيضًا حوالة أو مناولة شهادة إيداع المبيع أو تذكرة شحنه أو نقله، في الحالة التي يكون فيها هذا المبيع موجودًا عند البيع في مستودع عام.
3-تسليم الحقوق المعنوية:
بالنظر لخصوصية هذا النوع من الحقوق، فقد خصص المشرع لطريقة تسليمها مقتضيات خاصة، وذلك بمقتضى الفصل 501 من قانون الالتزامات والعقود، حيث يتم تسليم الحقوق المعنوية كحق المرور مثلًا، إما بتسليم السندات التي تثبت وجودها، أو بالاستعمال الذي يباشره المشتري لها برضى البائع. وإذا اقتضى استعمال الحقوق المعنوية حيازة شيء معين، وجب على البائع أن يمكن المشتري من وضع اليد عليه بدون عائق.
ثالثًا: موضوع التسليم:
من خلال المقتضيات القانونية التي تناولت موضوع التسليم في قانون الالتزامات والعقود، يتبين لنا أنه إضافة لتسليم الشيء موضوع البيع في حد ذاته، فإن البائع ملزم أيضًا بتسليم ثماره وزوائده ابتداء من وقت البيع.
1-تسليم الشيء موضوع البيع وتوابعه:
بموجب الفصل 512 من قانون الالتزامات والعقود، فإنه "يجب تسليم الشيء في الحالة التي كان عليها عند البيع، ويمتنع على البائع إجراء التغيير فيه ابتداء من هذا الوقت".
ومع ذلك، فالأمر يتعلق بقاعدة مكملة، حيث يملك البائع والمشتري أن يتفقا على أن يتم تسليم المبيع وهو أفضل حال مما كان عليه وقت إبرام العقد، أي بعد إدخال التحسينات أو إجراء الإصلاحات أو ما إلى ذلك.
إضافة إلى تسليم المبيع، فإن نفس الأحكام تنطبق بالنسبة لتوابعه وفقًا لما نص عليه الفصل 516 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على ما يلي: "الالتزام بتسليم الشيء يشمل أيضًا توابعه، وفقًا لما يقضي به اتفاق الطرفين أو يجري به العرف، فإن لم يوجد اتفاق ولا عرف اتبعت القواعد الواردة فيما يلي".
وقد عمد المشرع إلى تفصيلات تتعلق بالتوابع والملحقات في الفصول من 517 إلى 525، والتي يمكن إجمالها بالمبدأ الفقهي الذي يقضي بأن البيع يشمل المبيع وما هو محدد له من الالتزامات أو مكمل له من الحقوق، أو تطبيقًا للقاعدة الفقهية المعروفة بتبعية الفرع للأصل.
2-جني ثمار الشيء ومنتجاته:
حينما نتكلم عن الثمار، فإن المقصود منها هي الثمار الطبيعية والمدنية على حد سواء وفقًا لما تضمنه الفصل 515 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على أنه: "للمشتري ثمار الشيء وزوائده، سواء كانت مدنية أم طبيعية، ابتداء من وقت تمام البيع، ويجب تسليمها إليه معه، ما لم يقض الاتفاق بخلافه".
كما أنه بالرجوع للفصل 522 من قانون الالتزامات والعقود، نجده هو الآخر قد نص على أنه: "إذا تعلق البيع بالأشياء التي تتجدد بعد قطعها أو جني غلتها كالدرق والفصة، وكان واردًا على قطفة أو جذة منها، فإنه لا يشمل خلفها. ويشمل بيع الخضر والأزهار والفاكهة ما وجد منها معلقًا بأصله، وكذلك ما ينضج منها أو ما ينفتح إذا كان يعتبر من التوابع لا من الخلف".
كما أن المشرع جعل بمقتضى الفصل 524، بيع الأشجار يشمل زيادة على الأرض القائمة عليها جميع الثمار التي لم تعقد في الوقت الذي اعتبر فيه الثمار المعقودة تبقى للبائع ما لم يتفق على خلاف ذلك.
إذن يتبين مما سبق أن مسألة الفصل بين الالتزامات الجوهرية والالتزامات التابعة أو الفرعية، تعد من المسائل الدقيقة التي يحتد حولها الخلاف بين البائع والمشتري، خصوصًا عند سكوتهما عن تحديد الأشياء المشمولة بالتسليم.
ونظرًا لعدم كفاية القواعد التي أحال عليها المشرع، لأن البيع لا يقتصر على الأشياء العقارية وبعض المنقولات، فالأمر يتعين تركه للسلطة التقديرية للمحكمة التي يتعين عليها الفصل بين العناصر الجوهرية والعناصر التابعة.
رابعًا: زمان ومكان التسليم:
بالرغم من أن المشرع قد وضع بعض القواعد العامة التي يتعين الاحتكام إليها عند سكوت العقد على تحديد هذين العنصرين، فإن العادة جرت على أن يتم تحديد زمان ومكان التسليم بمقتضى الاتفاقات.
1-مكان التسليم:
حسب ما نص عليه الفصل 502 من قانون الالتزامات والعقود، فإن التسليم يجب أن يتم في المكان الذي كان الشيء موجودًا فيه عند البيع ما لم يتفق على غير ذلك.
وفي حالة البيوع الأجنبية، أي المعاملة التجارية الدولية التي تستلزم تصدير البضاعة خارج وطن البائع، فإن القاعدة العامة هي تسليم الشيء المبيع في يد المشتري، وهذا ما يؤكده الفصل 503 من قانون الالتزامات والعقود.
2-زمان التسليم:
حسب ما هو منصوص عليه في الفصل 504 من قانون الالتزامات والعقود، فإن التسليم يجب أن يحصل فور إبرام العقد، إلا ما تقتضيه طبيعة الشيء أو العرف من زمن.
وليس هناك ما يميز التشريع المدني المغربي بخصوص مسألة زمان التسليم، حيث أن القاعدة العامة تقتضي ضرورة حصول التسليم فور إبرام العقد.
ويتعين الإشارة إلى الفصل 507 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على بعض الحالات التي قد يمتنع فيها البائع عن تسليم المبيع للمشتري:
-إذا أعسر المشتري بعد البيع.
-إذا كان المشتري مفلسًا عند البيع.
-إذا قلل المشتري التأمينات المقدمة منه لضمان الوفاء بالثمن.
الفقرة الثانية: تحمل مصاريف التسليم:
يتحمل البائع كقاعدة عامة المصاريف والنفقات اللازمة لوضع المبيع تحت تصرف المشتري. فإذا كان المبيع مما يقتضي القياس أو الوزن أو العد أو الكيل، فالبائع هو الذي يلتزم بأداء مصاريف هذه العمليات لأنه جزء لا يتجزأ من واجب التسليم حسب الفصل 509 من قانون الالتزامات والعقود. وإذا كان البيع حقًا معنويًا، فإن البائع هو أيضًا يتحمل مصاريف إنشاء هذا الحق أو نقله، وذلك ما لم يكن هناك اتفاق أو عرف مخالف.
لكن ما يتعين الإشارة إليه، هو أن مصاريف التسليم التي يتحملها البائع تختلف باختلاف طبيعة الشيء المبيع، وكونه مفرزًا أو غير مفرز. وإذا لزم نقل المبيع من مكان لآخر، فإن تكاليف هذا النقل يتحملها البائع ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك.
الفقرة الثالثة: جزاء الإخلال بعناصر التسليم:
إن ذمة البائع لا تبرأ إلا بتسليم ما تم الاتفاق عليه قدرًا وصنفًا وعددًا، فالبائع ملزم بتسليم الشيء المبيع للمشتري إلا أنه قد لا يتمكن من التسليم:
أولًا: حكم هلاك المبيع قبل التسليم:
إن هلاك المبيع قبل التسليم قد يتم بفعل أو خطأ من البائع أو المشتري، وقد يكون نتيجة لآفة سماوية أو بفعل أجنبي لا علاقة له بطرفي العقد. فما هو حكم هذه الفرضيات؟
1-إذا حصل الهلاك بسبب أجنبي لا علاقة له بالبائع أو المشتري: كالقوة القاهرة مثلًا، فإنه يتعين الاحتكام إلى نص الفصل 493 من قانون الالتزامات والعقود الذي ورد فيه أنه بمجرد تمام العقد يتحمل المشتري تبعة هلاك المبيع ولو قبل حصول التسليم، ومرد ذلك إلى أن المشرع المشرع الفرنسي الذي يربط الهلاك بإبرام العقد وانتقال الملكية وليس بانتقال الحيازة للمشتري.
2-إذا حصل الهلاك بفعل أو خطأ من البائع وكان الشيء معينًا بالذات، فإن المشتري يكون له الحق في أن يطالب البائع بقيمة ذلك الشيء، أو بتعويض يعادل النقص في قيمته على نحو ما كان يمكن أن يفعله ضد أي شخص من الغير (الفصل 513 من قانون الالتزامات والعقود).
3-إذا وقع الهلاك أو التعيب قبل التسليم بفعل أو خطأ المشتري، فإنه يتعين على هذا الأخير أن يتسلم الشيء المبيع على الحالة التي هو عليها، ويلزم بدفع الثمن المتفق عليه كاملًا للبائع (الفصل 514 من قانون الالتزامات والعقود).
ثانيًا: حالة الزيادة في مقدار المبيع:
خصص لها المشرع الفصول 526 و 527 و 528. ويمكن إجمال الأحكام التي وردت فيها هذه الفصول فيما يلي:
1-الأشياء التي تباع بالوزن والعد ولا يكون في أثمانها تفاوت محسوس، والأشياء التي يمكن تقسيمها بغير ضرر، ووجد فرق الزيادة، فإن كل زيادة هي من حق البائع.
2-إذا كان محل البيع أشياء تباع بالعدد وفي أثمانها تفاوت محسوس، فإن كل زيادة تبطل العقد.
3-إذا كان محل البيع أشياء تباع بالوزن أو القياس ويضرها التبعيض، ومن بينها الأراضي المبيعة بالقياس، فإن الفصل 528 ميز بين وضعيتين:
أ=الأولى: إذا بيع الشيء بتمامه بثمن إجمالي واحد، كانت الزيادة للمشتري من غير أن يكون للبائع خيار فسخ البيع.
ب=الثانية: إذا بيع الشيء على أساس سعر وحدة الكيل ووجد فرق بالزيادة، فإن للمشتري الخيار بين أن يفسخ العقد وبين أن يقبل القدر المسلم مع دفع الثمن بنسبته.
ثالثًا: حالة النقصان في مقدار المبيع:
من خلال الفصول 526 إلى 528، ميز المشرع بين مجموعة من الحالات:
1-الأشياء التي تباع بالوزن والعد، ولا يكون في أثمانها تفاوت محسوس، والأشياء التي يمكن تقسيمها بغير ضرر، ووجد فرق بالنقصان، فإن المشتري يكون له الخيار بين أن يفسخ العقد بالنسبة إلى الكل، وبين أن يقبل القدر المسلم ويدفع الثمن بنسبته.
2-إذا كان محل البيع أشياء تباع بالعدد وفي أثمانها تفاوت محسوس، فإن المشرع المغربي ميز بين حالتين إذا تعلق الأمر بنقصان في المبيع:
أ=الحالة الأولى: إذا بيعت هذه الأشياء جملة وبثمن إجمالي واحد، فإن كل فرق بالنقصان يبطل البيع.
ب=الحالة الثانية: إذا بيعت على أساس سعر الوحدة، وكان هناك فرق بالنقصان، فإن للمشتري الخيار بين أن يفسخ البيع في الكل وبين أن يقبل المقدار المسلم على أن يدفع الثمن بنسبته.
3-إذا كان محل البيع أشياء تباع بالوزن أو القياس ويضرها التبعيض، ومن بينها الأراضي المبيعة بالقياس، فإن الفصل 528 ميز بين وضعيتين:
أ=الوضعية الأولى: إذا بيع الشيء بتمامه بثمن إجمالي واحد، ووجد فرق بالنقصان، فإنه كان للمشتري الحق في أن يفسخ البيع أو أن يقبل القدر المسلم مع دفع الثمن المحدد في العقد.
ب=الوضعية الثانية: إذا بيع الشيء على أساس سعر وحدة الكيل ووجد فرق بالنقصان، كان للمشتري الحق في أن يفسخ البيع أو أن يقبل القدر المسلم مع دفع الثمن المحدد في العقد.
4-إذا بيع الشيء على أساس سعر وحدة الكيل ووجد فرق بالنقصان، كان للمشتري الخيار بين أن يفسخ العقد وبين أن يقبل القدر المسلم مع دفع الثمن بنسبته.
الفقرة الرابعة: التزام البائع بالضمان:
ينص الفصل 532 من قانون الالتزامات والعقود على ما يلي: "الضمان الواجب على البائع للمشتري يشمل أمرين:
أ-أولهما حوز المبيع والتصرف فيه بلا معارض (ضمان الاستحقاق).
ب-ثانيهما عيوب الشيء المبيع (ضمان العيب)".
والضمان يلزم البائع بقوة القانون وإن لم يشترط وحسن نية البائع لا تعفيه من الضمان.
إذن، من خلال هذا الفصل واضح أن ضمان البائع هو التعرض والاستحقاق وضمان العيوب.
أولًا: ضمان التعرض والاستحقاق:
1-ضمان التعرض:
يعتبر ضمان التعرض من الالتزامات القانونية الملقاة على عاتق البائع إزاء المشتري، لأن ملكية هذا الأخير للشيء المبيع لا تكتمل إلا إذا ارتبطت بالحيازة التي تمكن المشتري من استغلال المبيع أو استعماله أو التصرف فيه.
والمشرع في الفصل 533 قضى بأن الالتزام يقتضي من البائع التوقف عن كل فعل يرمي إلى التشويش، ويشمل أيضًا الأفعال الصادرة عن الغير.
أ- ضمان التعرض الشخصي:
باعتبار البائع طرفًا أساسيًا في عقد البيع، فإنه يتوجب عليه أن يسهل للمشتري مأمورية الانتفاع بالشيء المبيع.
=ضمان البائع للتعرض المادي:
باعتباره هو الضامن الأول لتنفيذ عقد البيع، فإنه يلزم لتحقيق هذه الغاية أن يمتنع عن القيام بكل الأفعال المادية التي من شأنها الإضرار بمصلحة المشتري.
ويعد من التعرض المادي إقدام البائع على منع المشتري من دخول المنزل المبيع والانتفاع به، ويدخل ضمن حالات التعرض المادي أيضًا كل مظاهر المنافسة غير الشريفة التي يقدم عليها البائع بعد تفويت الشيء المبيع للمشتري، كمن يُقدم على فتح محل تجاري مماثل للمحل الذي كان موضوعًا للتعاقد.
=ضمان التعرض القانوني:
أي الذي يستند إلى وجود قانوني سابق، كان ثابتًا للبائع كالارتفاق والانتفاع والرهن والسطحية، وغيرها من الحقوق. فالبائع بمجرد أن تنازل عن ملكية الشيء المبيع للطرف المشتري يسقط حقه في الاستفادة من الامتيازات التي كانت ثابتة له بمقتضى حق التملك ومهما حاول البائع استعمال هذه الحقوق أو طالب بها، يعد ذلك تعرضًا يستوجب الضمان لما يلحقه من ضرر بالطرف المشتري.
ب-التعرض الصادر عن الغير:
ولكي يلتزم البائع بدفع التعرض الصادر عن الغير، يتعين توفر شروط أساسية:
=أن يكون تعرض الغير قانونيًا لا ماديًا:
مقتضى هذا الشرط هو ضرورة أن يكون التعرض الصادر عن الغير من نوع التعرضات القانونية التي تستند إلى الادعاء بوجود حق أو ثبوته لهذا الغير، كأن يدعي هذا الأخير بأنه المالك الحقيقي للمبيع، أو أن له حقًا عينيًا أو شخصيًا.
=أن يكون التعرض مستندًا إلى فترة ما قبل التعاقد: كحالة بيع ملك الغير وحالة بيع عقار مثقل برهن رسمي لمصلحة الدائن. في مثل هذه الأحوال، يتحمل البائع نتائج التعرض الصادر عن الغير، بحيث يمكن للمشتري الرجوع عليه ومطالبته برفع هذا التعرض.
=أن يقع التعرض فعلًا: أي أن يتخذ مظهرًا ملموسًا وحالًا، فلا يكفي أن يكون احتماليًا. ولكن ليس بالضروري بالمقابل أن يأخذ التعرض شكل دعوى ترفع ضد المشتري.
2-ضمان الاستحقاق:
بالإضافة إلى ضمان التعرض، فإن البائع يضمن للمشتري الاستحقاق الذي يقع ضده بمقتضى حق كان موجودًا عند البيع. وقد اعتبر المشرع من قبيل الاستحقاق طبقًا للفصل 534 من قانون الالتزامات والعقود، كلًا من الحالات التالية:
-إذا حرم المشتري من حوز الشيء كله أو بعضه.
-إذا كان المبيع في حوز الغير ولم يتمكن المشتري من استرداده منه.
-إذا اضطر المشتري لتحمل خسارة من أجل افتكاك المبيع.
كما حدد المشرع مجال هذا الاستحقاق حيث قد يكون كليًا أو جزئيًا، فإن البائع يلزم بالضمان في هذين النوعين من الاستحقاق، إذ أن استحقاق جزء من المبيع كاستحقاق المبيع كله، إذا بلغ هذا الجزء بالنسبة إلى الباقي، بحيث ما كان المشتري ليشتريه بدون ذلك الجزء المستحق طبقًا للفصل 535، كالحالة التي يتبين فيها بأن جزءًا من العقار المبيع مخصص للمصلحة العامة مثلًا.
كما تناول المشرع في الفقرة الثانية من الفصل 535 من قانون الالتزامات والعقود مختلف التحملات والارتفاقات حيث جاء فيها أن الضمان الملقى على عاتق البائع يشمل أيضًا الحالة التي تكون فيها العين مثقلة بحقوق ارتفاق غير ظاهرة، أو بحقوق أخرى لم يصرح بها عند البيع.
ثانيا: آثار التعرض والاستحقاق:
ويتعلق الأمر بالحالات التي يفقد فيها المشتري حقه في الضمان بالرغم من حصول التعرض، ثم التعويض الذي يقتضيه استحقاق المبيع.
1-فقدان المشتري حقه في الضمان:
يفقد المشتري حقه في الرجوع على البائع بضمان التعرض في الحالات الآتية:
أ-حالة عدم إخطار البائع بدعوى الاستحقاق:
ينص الفصل 537 من قانون الالتزامات والعقود: "إذا وجهت على المشتري دعوى، بسبب الشيء المبيع، وجب عليه أن يعلم البائع بدعوى الاستحقاق، عند تقديم المدعي البينة على دعواه.
وإذا لم ينبهه المحكمة بأنه إذا استمر في الدعوى باسمه الشخصي يعرض نفسه لضياع حقه في الرجوع على البائع، فإذا فضل برغم هذا التنبيه، أن يدافع مباشرة في الدعوى فقد كل حق في الرجوع على البائع".
وليس لهذا الإخطار الذي يلتزم به المشتري اتجاه البائع أي شكل معين، فيمكن أن يتم بأي وسيلة من الوسائل القابلة للإثبات. بل إن المشتري يحتفظ بحقه في الرجوع على البائع بالضمان ولو لم يتم هذا الإخطار، إذا كان ذلك متعذرًا على المشتري بسبب غياب البائع، فقد ورد في الفصل 548 من قانون الالتزامات والعقود: "لا يفقد المشتري حقه في الرجوع بالضمان على البائع، إذا لم يتمكن بسبب غيابه من إخطاره في وقت مفيد، واضطر نتيجة لذلك أن يدافع عن نفسه وحده ضد المستحق".
ب-حالة خطأ المشتري أو غشه:
ينص الفصل 547 من قانون الالتزامات والعقود على أن "البائع ولو أدخل في الدعوى في وقت مفيد، لا يتحمل بأي ضمان، إذا حصل الاستحقاق بغش المشتري أو خطأ وكان هذا الخطأ هو السبب الدافع للحكم الذي قضى بالاستحقاق، وعلى وجه الخصوص:
أ-إذا ترك المشتري التقادم البادئ قبل البيع والساري ضده يتم، أو إذا أهمل إتمام تقادم بدأه البائع؛
ب-إذا بني الاستحقاق على فعل أو سبب شخصي للمشتري".
ج-حالة انتزاع المبيع بالإكراه أو بفعل السلطة:
ورد في الفصل 546 من قانون الالتزامات والعقود: "لا يلتزم البائع بأي ضمان أصلًا:
أ-إذا وقع انتزاع المبيع بالإكراه أو نتيجة قوة قاهرة؛
ب-إذا حصل الانتزاع بفعل السلطة، ما لم يكن فعلها مبنيًا على حق سابق ثابت لها يخولها العمل على احترامه، أو على فعل يعزى للبائع".
ومؤدى ذلك أنه لا محل للضمان إذا فقد المشتري حيازته للشيء المبيع، عن طريق استعمال العنف أو انتزع منه بالإكراه، أو نتيجة قوة قاهرة.
أما إذا كان سبب الانتزاع يرجع إلى فعل السلطة، فإن البائع لا يلتزم من حيث المبدأ بأي ضمان تجاه المشتري، إلا إذا ثبت أن السلطة مارست هذا الانتزاع، حقًا تقرر لها قبل البيع، أو استندت في ذلك إلى فعل يعود للبائع.
د-حالة الارتفاق:
ينص الفصل 536 من قانون الالتزامات والعقود على أنه: "إذا كانت العين المبيعة مثقلة بحق من حقوق الارتفاق الضرورية بمقتضى طبيعة الأمور كحق المرور، فإن المشتري لا يثبت له حق الرجوع على البائع، إلا إذا ضمن هذا الأخير خلو العين من كل عبء".
إن هذه الحالة تشكل استثناء حقيقيًا من الأصل القاضي بأن الضمان يلزم البائع بقوة القانون وإن لم يشترط، إذ أن استفادة المشتري بالضمان في مثل الصورة أعلاه مرهونة بوجود بند في العقد يقضي سلفًا بضمان البائع خلو المبيع من أي عبء يثقله، وإلا فقد المشتري حقه في الضمان.
2-التعويض عن استحقاق المبيع:
إذا ترتب عن التعرض حرمان المشتري من المبيع كله أو جزئه، اعتبر البائع مخلًا بالتزامه وحق عليه الضمان، ولو كان حسن النية، على أن التعويض المقرر في حق البائع يختلف بحسب ما إذا كان استحقاق المبيع كليًا أو جزئيًا.
أ-الاستحقاق الكلي:
ينص الفصل 538 من قانون الالتزامات والعقود على أن: "إذا استحق المبيع كله من يد المشتري، من غير أن يقع من جانبه اعتراف بحق المستحق، كان له أن يطلب استرداد:
-الثمن الذي دفعه ومصروفات العقد التي أنفقت على وجه سليم؛
-المصروفات القضائية التي دفعها على دعوى الضمان؛
-الخسائر المترتبة مباشرة عن الاستحقاق".
بمعنى أنه في حالة استحقاق المبيع كليًا، فإن البائع يتوجب عليه أن يرد للمشتري ثمن المبيع الذي يشكل الحد الأدنى للاسترداد ولو تغير المبيع في الكل أو البعض أو ظهر نقص في قيمته، بل ولو كان ذلك النقص أو الهلاك بفعل المشتري، أو نتيجة قوة قاهرة.
كما أن البائع ملزم بالمصاريف التي أنفقها بمناسبة العقد على وجه سليم، وأيضًا المصاريف القضائية التي أنفقها على دعوى الضمان، سواء تلك التي أقيمت ضده من قبل الغير، أو تلك التي أقامها هو شخصيًا ضد البائع.
أما بالنسبة للمصاريف التي تم إنفاقها على الشيء المبيع، فإن المشرع المغربي بمقتضى الفصل 540 من قانون الالتزامات والعقود جعل البائع سيئ النية ملزمًا بأن يدفع للمشتري حسن النية، كل المصروفات التي أنفقها، وتتضمن أيضًا مصروفات الزينة والترف.
ب-الاستحقاق الجزئي:
إن الاستحقاق الجزئي هو الذي لا يستغرق الشيء المبيع كله، بحيث يؤدي إلى حرمان المشتري من بعض سلطاته أو منافعه.
وقد خصص المشرع الفصل 542 من قانون الالتزامات والعقود للأحكام التي ينبغي تطبيقها في حالة حصول مجرد استحقاق جزئي، حيث ميز بين وضعيتين:
-الوضعية الأولى:
هي حالة الاستحقاق الجزئي الذي يبلغ من الأهمية حدًا بحيث يعيب الشيء المبيع، وحيث إن المشتري كان ليمتنع عن الشراء لو علم به. ففي مثل هذه الوضعية يثبت للمشتري الخيار بين ثمن الجزء الذي حصل استحقاقه، والاحتفاظ بالبيع بالنسبة للباقي، وبين فسخ البيع واسترداد كامل الثمن.
-الوضعية الثانية:
هي التي لم يبلغ فيها الاستحقاق الجزئي من الأهمية الحد الكافي لتبرير فسخ البيع، فهنا ليس للمشتري إلا الحق في إنقاص الثمن بقدر ما استحق.
الفقرة الخامسة: ضمان العيوب الخفية:
تطرق المشرع لعيوب الشيء المبيع في الفصول من 549 إلى 575 من قانون الالتزامات والعقود، ويعد ضمان العيوب الخفية من المواضيع الهامة لعلاقته بالحياة العملية وبميدان المعاملات، ومع تنامي ثقافة حماية المستهلك وما أفرزته من نصوص قانونية تكرس لضمان العيوب الخفية، إذ يتيح للمشتري الاطمئنان لسلامة الشيء المبيع، وصلاحيته لتحقيق الغرض منه.
أولًا: المقصود بالعيب الخفي:
ينص الفصل 549 من قانون الالتزامات والعقود على أنه: "يضمن البائع عيوب الشيء التي تنقص من قيمته نقصًا محسوسًا، أو التي تجعله غير صالح لاستعماله فيما أعد له بحسب طبيعته أو بمقتضى العقد. أما العيوب التي تنقص نقصًا يسيرًا من القيمة أو الانتفاع، وتلك التي جرى العرف على التسامح فيها، فلا تخول الضمان. ويضمن البائع أيضًا وجود الصفات التي صرح بها أو التي اشترطها المشتري".
وإذا كان هذا النص يعدد العيوب التي تستوجب الضمان، فإنه مع ذلك لا يسعف في تحديد المقصود بالعيب، لأنه لم يعمد إلى تعريف العيب أصلًا.
ويذهب الفقه إلى تعريف العيب بأنه الآفة العارضة التي تخلو منها الفطرة السليمة للشيء.
ويجب التمييز بين العيب والرداءة، فالمنتوج الرديء ليس عيبًا ما دام ضمن فطرته الأصلية، على عكس العيب الذي هو آفة طارئة غير أصيلة في خلقته، وعادة ما تخلو منها أمثاله.
ثانيًا: شروط العيب الموجب للضمان:
لا يستحق المشتري الضمان إلا إذا توفرت ثلاثة شروط أساسية:
1-أن يكون العيب مؤثرًا:
يجب أن يؤثر العيب على منفعة الشيء المبيع أو قيمته تأثيرًا ملموسًا، بحيث لو علم به المشتري قبل الشراء، لأحجم عن الشراء أو اشترط شروطًا معينة. ينقسم النقص في المنفعة إلى قسمين:
-عدم صلاحية الشيء للاستعمال الطبيعي: كسيارة لا تصلح للنقل.
-عدم صلاحية الشيء للاستعمالات غير العادية المتفق عليها: مثل اشتراط المشتري قدرة السيارة على السير في الطرق الوعرة أو الوصول إلى سرعة معينة.
2-أن يكون العيب خفيًا:
طبقًا للفصل 569 من قانون الالتزامات والعقود، لا يضمن البائع العيوب الظاهرة ولا العيوب التي كان المشتري يعرفها أو كان يستطيع بسهولة أن يعرفها. المعيار هنا مجرد، أي لا يعتد بما يتمتع به المشتري من قدرة خاصة على فحص المبيع، بل بما يتطلبه الفحص العادي الذي يجرى في الظروف المماثلة. ومع ذلك، يضمن البائع العيب ولو كان ظاهرًا إذا صرح بخلو المبيع منه.
كما لا يُسأل البائع عن عيوب الشيء أو خلوه من الصفات المتطلبة فيه في حالتين وفقًا للفصل 571:
-إذا صرح البائع بالعيوب.
-إذا اشترط عدم مسؤوليته عن أي ضمان.
3-أن يكون العيب قديمًا:
ينص الفصل 522 من قانون الالتزامات والعقود على أن البائع يضمن العيوب التي كانت موجودة عند البيع إذا كان المبيع شيئًا معينًا بذاته، أو عند التسليم إذا كان المبيع شيئًا مثليًا. فمسؤولية المشتري عن العيوب تبدأ بانتقال الملكية، أما إذا كان المبيع معينًا بالنوع (مثليًا)، فإن العيب يُعتبر قديمًا ومضمونًا من البائع إذا كان موجودًا وقت التسليم.
ثالثا: الآثار الناتجة عن تحقق العيب الموجب للضمان:
إذا أثبت المشتري شروط العيوب وقام بالإجراءات اللازمة، فإن المشرع خوله كقاعدة عامة الحق في فسخ العقد ورد الثمن.
1-فسخ البيع:
ينص الفصل 556 من قانون الالتزامات والعقود على أنه "إذا ثبت الضمان بسبب العيب أو بسبب خلو المبيع من صفات معينة، كان للمشتري أن يطلب فسخ البيع ورد الثمن".
في الفقه المغربي، يكاد يكون هناك إجماع على أن المشتري ليس له خيار بين دعوى الفسخ ودعوى إنقاص الثمن، بل الأصل هو اللجوء إلى دعوى الفسخ ومع ذلك، يرى بعض الفقهاء أن العدالة تقتضي تمكين المشتري من الخيار بينهما.
إذا طالب المشتري بالفسخ وثبت ضمان البائع، يحق للمشتري، بالإضافة إلى الفسخ، المطالبة بالتعويض في الحالات التالية وفقًا للفصل 556:
-إذا كان البائع يعلم بعيوب المبيع أو خلوه من الصفات الموعودة، ولم يصرح ببيعه دون ضمان. (يُفترض هذا العلم إذا كان البائع تاجرًا أو صانعًا وباع منتجات حرفته).
-إذا صرح البائع بعدم وجود العيوب، ما لم تكن العيوب قد ظهرت بعد البيع أو كان يمكن للبائع أن يجهلها بحسن نية.
-إذا كانت الصفات التي ثبت خلو المبيع منها قد اشترط وجودها صراحة أو كان عرف التجارة يقتضيها.
إذا كان البيع على مجموعة من الأشياء المحددة وكان جزء منها معيبًا، يحق للمشتري طلب فسخ البيع بالنسبة للجزء المعيب وحده ورد ما يقابله من الثمن. أما إذا كانت الأشياء المبيعة لا يمكن تجزئتها (كالأشياء المزدوجة)، فلا يحق للمشتري طلب الفسخ إلا بالنسبة لمجموع الصفقة.
عند تقرير الفسخ، تترتب عليه مجموعة من الالتزامات المتبادلة بين المشتري والبائع وفقًا للفصل 561:
التزامات المشتري:
-رد الشيء المعيب بحالته التي تسلمه عليها وتوابعه وزياداته.
-رد ثمار الشيء من وقت الفسخ (بالتراضي أو بالحكم)، ويتملك المشتري الثمار غير المعقودة التي جناها والثمار الناضجة ولو لم يجنها.
التزامات البائع:
-دفع مصروفات الزراعة والري والصيانة ومصروفات الثمار التي ردها إليه.
-رد الثمن الذي قبضه ومصروفات العقد.
-تعويض المشتري عن الخسائر إذا كان هناك تدليس من البائع.
2-إنقاص الثمن:
في حالات استثنائية، قد يتعذر على المشتري سلوك دعوى الفسخ، فيمنحه المشرع حق اللجوء إلى إنقاص الثمن طبقًا للفصل 564: "لا محل للفسخ وليس للمشتري إلا طلب إنقاص الثمن في الحالتين التاليتين:
-إذا تعيب الشيء بخطئه أو بخطأ من يسأل عنهم.
-إذا استُعمل الشيء استعمالًا من شأنه أن يُنقص من قيمته بشكل محسوس (حتى لو كان الاستعمال قبل معرفة العيب).
كما ينص الفصل 565 على أنه إذا تسلم المبيع معيبًا بعيب موجب للضمان، ثم حدث فيه عيب آخر لا يُعزى لخطأ المشتري، كان له الخيار بين الاحتفاظ بالشيء والرجوع بالضمان على أساس العيب الأول، أو رده للبائع مع تحمل نقص في الثمن يتناسب مع العيب الجديد. ومع ذلك، لا يسوغ للبائع أن يعرض استرداد الشيء المعيب مع تنازله عن حق الرجوع من أجل العيب الجديد. في هذه الحالة، يكون للمشتري الخيار بين الاحتفاظ بالشيء بحالته أو رده دون أداء أي تعويض.
3-التنفيذ العيني:
طبقًا للفصل 557 من قانون الالتزامات والعقود، إذا كان البيع واردًا على أشياء مثلية، يحق للمشتري أن يطلب تسليمه أشياء مماثلة خالية من العيب، مع حفظ حقه في المطالبة بالتعويض إذا كان له محل.
المطلب الثالث:التزامات المشتري:
ألقى المشرع على عاتق المشتري التزامين أساسيين:
الفقرة الأولى: الالتزام بدفع الثمن:
يُعد الثمن عنصرًا جوهريًا في عقد البيع، وهو المقابل الذي يلتزم المشتري بدفعه للبائع (الفصل 577). غالبًا ما يتم أداء الثمن عند التسليم، ولكن يمكن الاتفاق على دفعه قبل ذلك أو بعده، دفعة واحدة أو على أقساط.
في حالة عدم أداء الثمن، يمكن فسخ البيع إذا اشترط العقد أو العرف ذلك (الفصل 581).
يكون مكان أداء الثمن هو مكان التسليم ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، ويُدفع الثمن بالنقود المتداولة في البلد.
الفقرة الثانية: الالتزام بتسلم المبيع:
يُعد التسلم التزامًا ثانيًا على المشتري، وهو الوجه المقابل لالتزام البائع بالتسليم. يختلف التسلم بحسب طبيعة الشيء:
-العقارات: يتم التسلم بتخلي البائع عنه وتسليم المفاتيح.
-المنقولات: يتم التسلم بالمناولة من يد إلى يد أو بأي وجه يجرى به العرف.
-الحقوق المعنوية: يتم التسلم بتمكين المشتري من المستندات التي تثبت وجودها.
وفقًا للفصل 580 من قانون الالتزامات والعقود، يلتزم المشتري بتسلم الشيء المبيع في المكان والوقت اللذين يحددهما العقد، وإذا سكت العقد أو العرف، يلتزم المشتري بالتسلم فورًا.
يتحمل المشتري مصروفات التسليم والضرائب والأعباء الأخرى، ومصروفات التسجيل والحفظ وجني الثمار، ومصروفات التنبر (الفصول 493 و 511 من قانون الالتزامات والعقود).
إذا أخل المشتري بالتزامه وامتنع أو تأخر عن تسلم المبيع، يُعتبر في حالة مطل، ويُعمل بالأحكام العامة، ومنها:
-يكون البائع في حالة مطل إذا رفض دون سبب قانوني استيفاء الأداء المعروض عليه من المدين (الفصل 270 من قانون الالتزامات والعقود).
-ابتداءً من الوقت الذي يصبح فيه الدائن في حالة مطل، تقع عليه مسؤولية هلاك الشيء أو تعيبه (الفصل 273 من قانون الالتزامات والعقود).
-يمكن للبائع التمسك بجزاءات أخرى كالغرامة التهديدية وطلب فسخ العقد قضائيًا، مع سلطة تقديرية للمحكمة في التعويض.
لتحميل الموضوع المرجوا الضغط هنا رابط التحميل .
-------------------------
لائحة المراجع:
-قانون الإلتزامات والعقود المغربي.
-القانون المدني المصري المادة 428.
-محاضرات في العقود المسماة للأستاذة أمال الناجي.